كتاب تاريخ ابن الوردي (اسم الجزء: 2)

سنة ثَلَاث وَخَمْسمِائة فِي حادي عشر ذِي الْحجَّة فَلَبثت الفرنج مائَة سنة وخمساً وَثَمَانِينَ سنة وشهوراً.
وفيهَا: مَاتَ قتلاي قان بن طلو بن جنكيز خَان ملك التتر بالصين وَهُوَ أكبر الْخَانَات وَالْحَاكِم على كرْسِي مملكة جنكيز خَان، وَكَانَ قد طَالَتْ مدَّته وَجلسَ بعده ابْنه شهون.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة: فِيهَا فِي سادس ذِي الْقعدَة توفّي السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور سيف الدُّنْيَا وَالدّين قلاوون الصَّالِحِي وَذَلِكَ أَنه خرج بالعساكر بنية غَزْو عكا وبرز إِلَى مَسْجِد التيرز فابتدأ مَرضه فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من شَوَّال بعد نُزُوله بالدهليز بِالْمَكَانِ الْمَذْكُور وتزايد حَتَّى توفّي يَوْم السبت سادس ذِي الْقعدَة مِنْهَا بالدهليز.
وَكَانَ ملكه يَوْم الْأَحَد الثَّانِي وَالْعِشْرين من رَجَب سنة ثَمَان وَسبعين وسِتمِائَة فمدة ملكه نَحْو إِحْدَى عشرَة سنة وَثَلَاثَة أشهر وَأَيَّام وَترك ابْنَيْنِ هما الْملك الْأَشْرَف صَلَاح الدّين خَلِيل وَالسُّلْطَان الْأَعْظَم الْملك النَّاصِر نَاصِر الدُّنْيَا وَالدّين مُحَمَّد وَكَانَ رَحمَه الله مهيباً حَلِيمًا قَلِيل سفك الدِّمَاء، فتح المرقب وطرابلس الَّتِي لم يَجْسُر مثل صَلَاح الدّين وَغَيره على التَّعَرُّض إِلَيْهِمَا لحصانتهما، وَكسر التتر على حمص وهم جمع عَظِيم.
وَجلسَ فِي الْملك بعده ابْنه السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف صَلَاح الدّين خَلِيل فِي سَابِع ذِي الْقعدَة صَبِيحَة ثَانِي موت وَالِده وَلما اسْتَقر قبض على حسام الدّين طرنطاي نَائِب السلطنة يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ واستناب بدر الدّين بيدرا واستوزر شمس الدّين بن السلعوس.
ثمَّ دخلت سنة تسعين وسِتمِائَة: فِيهَا فِي جُمَادَى الْآخِرَة فتحت عكا، وَذَلِكَ أَن الْملك الْأَشْرَف نازلها بالعساكر الإسلامية فِي أول جُمَادَى الأولى وجر إِلَيْهَا المجانيق مِنْهُ جَمِيع الْحُصُون، مِنْهَا: المنجنيق المنصوري من حصن الأكراد حمل مائَة عجلة، وَخص الْمُؤلف رَحمَه الله من عجلة وَهُوَ إِذْ ذَاك أَمِير عشرَة وَاشْتَدَّ عَلَيْهَا الْقِتَال وغالب أَبْوَابهَا مفتحة يُقَاتلُون فِيهَا.
وَكَانَ الحمويون بِرَأْس الميمنة على عَادَتهم فَكَانُوا على جَانب الْبَحْر وَالْبَحْر عَن يمينهم إِذا واجهوا عكا فَكَانَ يجضر إِلَيْهِم مراكب مقبية بالخشب الملبس جُلُود الجواميس ويرميهم الفرنج مِنْهَا بالنشاب والجروح والقتال من قدامهم من جِهَة الْمَدِينَة وَعَن يمينهم من الْبَحْر وأحضروا بطسة فِيهَا منجنيق يرْمى على الحمويين فَهبت ريح شالته وحطته فانحطم المنجنيق وَلم يعد، وكبس الفرنج الْعَسْكَر لَيْلًا فهزموا اليزك واتصلوا بالخيام وتعلقوا بالأطناب وتكاثر عَلَيْهِم العساكر فَانْهَزَمُوا إِلَى الْبَلَد وَقتل مِنْهُم جمَاعَة وشدوا وضايقوا حَتَّى فتحهَا الله تَعَالَى يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة بِالسَّيْفِ وهرب جمَاعَة من أَهلهَا فِي المراكب، وداخل الْبَلَد أبرجة عاصية بِمَنْزِلَة القلاع تحصن بهَا عَالم من الفرنج فاستنزلوا وَضربت أَعْنَاقهم عَن آخِرهم وَقتل الْمُسلمُونَ من عكا وغنموا مَا يفوت الْحصْر، ثمَّ هدمت

الصفحة 228