كتاب تاريخ ابن الوردي (اسم الجزء: 2)

الإِمَام أَو فِي الْأَدَب فالحارث بن همام، أَو فِي الْجد أسَال المدامع أَو الْهزْل أذهل السَّامع حفظ المقامات فِي مُدَّة قَصِيرَة وديوان المتنبي فِي أَيَّام يسيرَة، وحرص على الْعلم وتعب وخلط جدا بلعب، ثمَّ هجر الأوطان واتصل بالسلطان وأكب فِي آخر عمره على تَحْقِيق الْعُلُوم وَتَعْلِيمهَا والأعمال بخواتيمهما، وَله موشحات مأثورة وأشعار مَشْهُورَة.
مِنْهَا:
(أَعنِي على مَا دهاني أَعنِي ... فَإِنِّي بليت بِظَبْيٍ أغن)

(جنى إِذْ جنيت جنا وجنتيه ... فباللحظ يجني وباللحظ أجني)

(إِذا قلت ثغرك صن باللثام ... يَقُول سيحميه صارم جفني)

(وَإِن قلت قد عَاد سيف الجفون ... كليلاً يَقُول عِذَارَيْ مني)

ثمَّ دخلت سنة سبع عشرَة وَسَبْعمائة: فِي الْمحرم مِنْهَا توفّي الشَّيْخ عَليّ الختني الشَّافِعِي الْمُحدث الصَّالح، كَانَ كثير الِاشْتِغَال والفضيلة رَحمَه الله تَعَالَى.
وفيهَا: فِي صفر شرع فِي عمَارَة جَامع ظَاهر دمشق خَارج بَاب النَّصْر قبالة حكر السماق بمرسوم السُّلْطَان وَحضر الْقُضَاة لتحرير قبلته.
وفيهَا: فِي صفر كَانَ سيل ببعلبك خرب سور الْبَلَد وحائط الْجَامِع وَذَلِكَ مَعَ رعد عَظِيم، وَخرب فَوق ثلث الْبَلَد وَعدم تَحت الرَّدْم خلق كثير وَعظم النّدب والعويل فِي أقطار الْبَلَد وَمن لطف الله تَعَالَى مَجِيئه نَهَارا، وَوجد الشَّيْخ عَليّ بن مُحَمَّد بن الشَّيْخ عَليّ الحريري غريقاً فِي الْجَامِع مَعَ خلق وَكَانَ يَوْمًا عَظِيما وَلَقَد أخبر الثقاة أَنه نزل من السَّمَاء عَمُود عَظِيم من نَار أَوَائِل السَّيْل ورؤي من الدُّخان وَسمع من الصرخان فِي الأكوان أَمر عَظِيم كَاد يشق الْقُلُوب.
قلت:
(سيل طَغى فِي بعلبك وراعد ... ولهيب نَار ثار للتعذيب)

(فلئن تركب ثمَّ مازج سورها ... فلبعلبك المزج فِي التَّرْكِيب)

وفيهَا: فِي ربيع الأول توفّي الْفَقِيه الْمقري شهَاب الدّين أَحْمد الرُّومِي أَمَام الْحَنَفِيَّة بِجَامِع دمشق بنى على الشّرف زَاوِيَة حَسَنَة نزهة، وَكَانَ فِيهِ حسن تلقي وأعانة للضعيف.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الْآخِرَة خلص بهادر من سجن الكرك وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة مكرماً ففرح النَّاس بِهِ فَإِنَّهُ كثير الصَّدقَات وافر الْعقل.
وَفِيه: توفّي بدر الدّين أَبُو الْقَاسِم أَخُو الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية، وَكَانَ فَقِيها سَاكِنا قَلِيل الشَّرّ رَحمَه الله تَعَالَى.
وَفِيه: توفّي قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق جمال الدّين أَبُو عبد الله الزواوي الْمَالِكِي.
وفيهَا: أبطلت الْخُمُور وَالْفَوَاحِش بالسواحل وأبطلت مكوس كَثِيرَة ففرح الْمُسلمُونَ بذلك وتوفرت الْأَدْعِيَة للسُّلْطَان أعز الله نَصره.

الصفحة 257