كتاب تاريخ ابن الوردي (اسم الجزء: 2)

وَبعد ذَلِك دخل الحلبيون إِلَى بلد الأرمن مَرَّات وغنموا، وَفِي الْمرة الرَّابِعَة كمن لَهُم الفرنج والأرمن وَخَرجُوا عَلَيْهِم فَقتلُوا من الْمُسلمين وأسروا.
وفيهَا: وصل كتاب إِلَى الْقَاهِرَة ثمَّ إِلَى دمشق بغزوة عَظِيمَة وَقعت فِي الْمغرب فِي الْعَام الْمَاضِي وَذَلِكَ أَن جَيْشًا من الرّوم يعسر إحصاؤه وَيبعد استقصاؤه حشد عَلَيْهِم وَأَقْبل إِلَيْهِم، وناهيك من جَيش اشْتَمَل على خَمْسَة وَعشْرين سُلْطَانا ووصلوا إِلَى غرناطة قَرِيبا من جبل البيرة فملأوا الْبَسِيط وَالله من ورائهم مُحِيط، وَلما استقروا هُنَاكَ أَيقَن الْمُسلمُونَ بِالْهَلَاكِ، ثمَّ أغارت سَرِيَّة من الْجَيْش على ضَيْعَة فَخرج إِلَيْهِم جملَة من فرسَان الأندلس الرُّمَاة ومنعوهم وتبعوهم اللَّيْل كُله فاستأصلوهم بِالْقَتْلِ والأسر، وَكَانَ ذَلِك أول النَّصْر، وَأصْبح النَّاس يَوْم الِاثْنَيْنِ الْمُبَارك على الْمُسلمين وعزموا على الْخُرُوج لأعداء الله يَوْم عيدهم وَكَانَ الرَّابِع وَالْعِشْرين من حزيران فَلَو علم وَزِير سلطانهم بذلك حذرهم غضب السُّلْطَان عَلَيْهِم بالتشعيث عَلَيْهِ فِي عيده فَنزل الْمُسلمُونَ عَن خيلهم متضرعين إِلَى الله عالية أَصْوَاتهم بِالدُّعَاءِ والضجيج.
وَعند ذَلِك ركب الرّوم جمعا ومالوا على الْمُسلمين مَيْلَة شنعاء فَمَا رَاع الْمُسلمين بِحَمْد الله حَالهم {وَإِذ يوحي رَبك إِلَى الْمَلَائِكَة أَنِّي مَعكُمْ فثبتوا الَّذين آمنُوا سألقي فِي قُلُوب الَّذين كفرُوا الرعب} فَلَمَّا رأى أَعدَاء الله الْمُسلمين قد ثبتوا توقفوا وبهتوا وَخرج من الْفَرِيقَيْنِ فرسَان ثمَّ مَال الْمُسلمُونَ على أَعدَاء الله يقتلُون فيهم كَيفَ شاؤا من السَّاعَة السَّابِعَة إِلَى الْغُرُوب، وَفِي اللَّيْل ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض وهرب بَعضهم من بعض وَغَابَ الْمُسلمُونَ فِي تقتيلهم ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ داموا شهرا ينتهبونهم بِالْقَتْلِ والأسر، وَخرج أهل غرناطة إِلَيْهِم فغنموا مَا لَا يُحْصى وأسروا الجم الْغَفِير من رجال وَنسَاء وَأَوْلَاد وَبَقِي الْمُسلمُونَ يجيؤن مَوَاضِع الْجَيْش نَحوا من عشرَة أَيَّام ويحمدون الله على هَذَا النَّصْر الَّذِي مَا طمعوا بِبَعْضِه وحزر الحذاق عدَّة الْقَتْلَى بِخَمْسِينَ ألفا أَو سِتِّينَ ألفا، ووقعوا فِي وَاد فَقتل مِنْهُم مثل ذَلِك ومزقوا كل ممزق، وَوجد الْمُلُوك الْخَمْسَة وَالْعشْرُونَ وَمِنْهُم الْملك الْكَبِير مقتولين بالمحلة فلعب النَّاس بجيفهم وعلقوا على بَاب غرناطة، وَكَانَ قوت الأسرى الَّذين أَسرُّوا مِنْهُم كل يَوْم بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم، وَزعم النَّاس أَن الْفَيْء من الذَّهَب وَالْفِضَّة كَانَ سبعين قِنْطَارًا، وَأما الدَّوَابّ وَالْعدَد فشيء لَا يُوصف، وَبَقِي البيع فِي الْأُسَارَى وَالدَّوَاب سِتَّة أشهر ومل النَّاس من طول البيع وَجُمْلَة فرسَان الْمُسلمين فِي ذَلِك الْيَوْم أَلفَانِ وَخَمْسمِائة فَارس لم يستشهد مِنْهُم سوى أحد عشر رجلا فَلَا يجزع جَيش من قلَّة وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله.
وفيهَا: وَقع بالديار المصرية مرض كثير قل أَن سلمت مِنْهُ دَار وغلت الْأَدْوِيَة وَكَانَ الْمَوْت قَلِيلا.
وفيهَا: فِي رَجَب عقد لِابْنِ تَيْمِية بِدِمَشْق مجْلِس بدار السَّعَادَة وعاتبوه بِمَسْأَلَة الطَّلَاق وحبسوه بالقلعة.

الصفحة 261