كتاب تاريخ ابن الوردي (اسم الجزء: 2)

عبد الله بن عبد الْحَلِيم بن تَيْمِية الْحَرَّانِي الْحَنْبَلِيّ أَخُو الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَحضر جنَازَته عَالم عَظِيم، ومولده فِي حادي عشر الْمحرم سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة بحران، ومناقبه جمة وعلومه كَثِيرَة، بارع فِي فنون عديدة من الْفِقْه والنحو وَالْأُصُول حسن الْعبارَة قوي فِي دينه مليح الْبَحْث صَحِيح الذِّهْن مستحضر لتراجم السّلف عَالم بالتواريخ ملازم لأنواع الْخَيْر وَتَعْلِيم الْعلم عَارِف بِالْحِسَابِ زاهد شرِيف النَّفس قَانِع بِالْقَلِيلِ شُجَاع مِقْدَام مُجَاهِد، كَانَ يخرج من بَيته لَيْلًا، ويأوي إِلَى بَيته لَيْلًا، ويأوي إِلَى المسجاد المهجورة، وَلَا يجلس فِي مَكَان معِين.
وَفِيه: انتزاع القَاضِي كَمَال الدّين بن الزملكاني كَنِيسَة الْيَهُود الْمُجَاورَة للمدرسة العصرونية بحلب وبنيت بهَا مأذنة وَسميت الناصرية وَكتب بذلك مكاتيب وشق على الْيَهُود ذَلِك فِي أقطار الأَرْض وَللَّه الْحَمد.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الْآخِرَة توجه إِلَى مصر قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْحَاكِم والخطيب بِدِمَشْق وباشر الحكم بالديار المصرية مَعَ تدريس الصالحية والناصرية وَدَار الحَدِيث الكاملية عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة الْحَمَوِيّ فَإِنَّهُ استعفى من الْقَضَاء لكبر سنة وَضَعفه فَأُجِيب إِلَى ذَلِك ورتب لَهُ كل شهر ألف دِرْهَم وَعشرَة أرادب قَمح.
وَفِيه: رسم بقتل الْكلاب بالديار المصرية.
وفيهَا: فِي رَجَب وصل الْخَطِيب بدر الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين من الْقَاهِرَة إِلَى دمشق مُتَوَلِّيًا الخطابة بالجامع الْأمَوِي بِدِمَشْق، وتدريس الْمدرسَة الشامية الجوانية.
وَفِيه: عمل عرس الْأَمِير سيف الدّين قوصون على بنت السُّلْطَان وَيطول شرح ذَلِك.
وَفِيه: بالإسنكدرية جرت مخاصمة بَين مُسلم وإفرنجي فَضَربهُ بالمداس فعظمت الْفِتْنَة وَركب النَّائِب بهَا وأغلق بَاب الْبَلَد من الْعَصْر إِلَى بعض اللَّيْل وحصلت مقتلة وزحم النَّائِب وأحرق بَاب السُّلْطَان وَيُسمى بَاب الْيَهُود، وَوَقع بعض نهب فِي دور يلوذ أَهلهَا بالنائب فَكتب إِلَى السُّلْطَان بِمَا وَقع فَغَضب السُّلْطَان وَأمر بِالسَّيْفِ فِي الْإسْكَنْدَريَّة وهدها إِلَى الْبَحْر وَأخذ من التُّجَّار أَمْوَالًا عَظِيمَة ووسط نَحْو ثَلَاثِينَ رجلا وَقت صَلَاة الْجُمُعَة، ثمَّ عزل النَّائِب بعد ضربه وإهانته، وَقتل نَاس من الْفُقَهَاء والمدرسين الصَّالِحين لِأَن بَعضهم خرج وَقت الْفِتْنَة يستغيثون فِي الشوارع إنكاراً لذَلِك.
وَلم يزل الْأَمر كَذَلِك حَتَّى قدم تَاج الدّين أَبُو إِسْحَاق وَكيل السُّلْطَان فسكن الْبَلَد، وَكَانُوا ممنوعين من الْخُرُوج وَالدُّخُول وَكَانَ سَبَب غضب السُّلْطَان أَنه ظن أَن الْبَاب الَّذِي أحرق هُوَ بَاب الْحَبْس الَّذِي فِيهِ جمَاعَة من الْأُمَرَاء وَلم يكن الْأَمر كَذَلِك، وَمن يَوْمئِذٍ صَار لَا يُولى بهَا إِلَّا قَاض شَافِعِيّ، وَكتب أَبُو يحيى زَكَرِيَّا الطرابلسي كتابا من الْإسْكَنْدَريَّة يَقُول

الصفحة 272