كتاب تاريخ ابن الوردي (اسم الجزء: 2)

فِيهِ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون فِيمَا أصَاب الْمُسلمين بثغر الْإسْكَنْدَريَّة من الإحراق وَالضَّرْب وَأخذ الْأَمْوَال وَسَفك الدِّمَاء، فَالله يعظم لنا وَلكم الْأجر.
قلت:
(تبَارك الله ذُو الْجلَال لقد ... أدهش عَقْلِي زَمَاننَا الْفَاسِد)

(مصادرات جرت وَسَفك دَمًا ... وَأَصلهَا ضرب كَافِر وَاحِد)

وفيهَا: فِي شعْبَان توفّي قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين عَليّ بن الْوَكِيل الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق، كَانَ كَبِير الْقدر صَاحب أَمْلَاك وثروة مكثراً من الْفِقْه وَمن ملح الْأَخْبَار ونكت الْأَشْعَار.
وَفِيه: طلب من حلب القَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن الزملكاني على الْبَرِيد إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان ليولى الْقَضَاء بِالشَّام، فَتوفي بِمَدِينَة بلبيس وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة فَدفن بالقرافة.
كَانَ رَحمَه الله غزير الْعلم كثير الْفُنُون مُسَدّد الفتاوي دَقِيق الذِّهْن صَحِيح الْبَحْث حسن الْخلق جميل الْوَجْه طيب الصَّوْت بعيد الصيت جيد الْخط سخي النَّفس صَحِيح الِاعْتِقَاد بليغ النّظم والنثر.
وَلَقَد رَأَيْت كبار مَشَايِخنَا لَا يعدلُونَ بِهِ عَالما فِي زَمَانه وَلَا يُشبههُ عِنْدهم أحد من أقرانه:
(أَفِي الرَّأْي يشبه أم فِي السخاء ... أم فِي الشجَاعَة أم فِي الْأَدَب)

(فلسنا نرى بعده مثله ... فيا ليته مَا تولى حلب)

سُئِلَ رَحمَه الله تَعَالَى مَا الدَّلِيل على أَن الْمَرْأَة لَا يجوز أَن تكون قَاضِيا فَأجَاب الدَّلِيل على ذَلِك قَوْله تَعَالَى: {أَو من ينشأ فِي الْحِلْية وَهُوَ فِي الْخِصَام غير مُبين} لِأَن من هُوَ فِي الْخِصَام لنَفسِهِ غير مُبين لَا يصلح لفصل خصومات غَيره بطرِيق الأولى، ووقفت لَهُ على مُكَاتبَة إِلَى شَيخنَا قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين هبة الله بن الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ يطْلب مِنْهُ التَّيْسِير الَّذِي وَضعه على الْحَاوِي، أَولهَا:
(يَا وَاحِد الْعَصْر ثَانِي الشَّمْس فِي شرف ... وثالث العمرين السالفين هدى)

(تيسيرك الشَّامِل الْحَاوِي الْبَسِيط لَهُ ... نِهَايَة لم تنلها غَايَة أبدا)

(مُحَرر خص بِالْفَتْح الْعَزِيز فَفِي ... تهذيبه الْمَقْصد الْأَسْنَى لمن رشدا)

(وَقد سمت همتي أَن اصطفيه لَهَا ... وَإِن أعلمهُ الأهلين والولدا)

(فانعم بِهِ نُسْخَة صحت مُقَابلَة ... ولاح نورك فِي أَثْنَائِهَا وبدا)

وَلما وقف شَيخنَا قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين الْمَذْكُور على هَذِه الْمُكَاتبَة سر بهَا، وجهز لَهُ نُسْخَة بالتيسير الْمَطْلُوب، وَقَالَ سُبْحَانَ الله لقد كَانَ الشَّيْخ كَمَال الدّين أكبر المنكرين عَليّ فِي الاعتناء بالحاوي الصَّغِير ثمَّ لم ينتبه لقدوه إِلَّا وَقد صرت فِيهِ إِمَامًا.
فَائِدَة: رَأَيْت بعض النَّاس اعْترض على الشَّيْخ كَمَال الدّين فِي هَذَا النّظم فِي قَوْله:

الصفحة 273