كتاب تاريخ ابن الوردي (اسم الجزء: 2)

الْملك الْمُؤَيد بحماه، وَتقدم ثمَّ بعده تَأَخّر وتحول إِلَى حلب وَمَات بهَا.
قلت: وَأهل حماه يطعنون فِي عقيدته ويعجبني بيتان الثَّانِي مِنْهُمَا مضمن لَا لِكَوْنِهِمَا فِيهِ فَإِن سَرِيرَته عِنْد الله بل لحسن صناعتهما وهما:
(إِلَى حلب خُذ عَن حماه رِسَالَة ... أَرَاك قبلت الْأَبْهَرِيّ المنجما)

(فَقولِي لَهُ ارحل لَا تقيمن عندنَا ... وَإِلَّا فَكُن فِي السِّرّ والجهر مُسلما)

وَمَات: الزَّاهِد الْوَلِيّ أَبُو الْحسن الوسطي العابد محرما ببدر قيل أَنه حج، وَله ثَمَان عشرَة سنة، ثمَّ لَازم الْحَج، وجاور مَرَّات، وَكَانَ عَظِيم الْقدر منقبضاً عَن النَّاس.
وفيهَا: فِي ذِي الْحجَّة مَاتَ الْأَمِير الْكَبِير مغلطاي، كَانَ مقدم ألف بِدِمَشْق وَمَاتَتْ الشيخة المسندة الجليلة أم مُحَمَّد أَسمَاء بنت مُحَمَّد بن صصري أُخْت قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين سَمِعت وَحدثت وَكَانَت مباركة كَثِيرَة الْبر وحجت مَرَّات، وَكَانَت تتلو فِي الْمُصحف وتتعبد.
قلت:
(كَذَلِك فلتكن أُخْت ابْن صصري ... تفوق على النِّسَاء صبي وشيبا)

(طراز الْقَوْم انثى مثل هذي ... وَمَا التَّأْنِيث لاسم الشَّمْس عَيْبا)

وَمَات أَيْضا بِدِمَشْق عز الدّين إِبْرَاهِيم بن القواس بالعقيبة، ووقف دَاره مدرسة وَأمْسك حَاجِب مصر سيف الدّين الماس أَخُوهُ قُرَّة تمر وَوجد لَهما مَال عَظِيم.
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة: فِي أول الْمحرم مِنْهَا أفرج عَن الْأَمِير بدر الدّين القرماني والأمير سيف الدّين إِسْلَام وأخيه وخلع عَلَيْهِم.
وَتُوفِّي بالقدس خَطِيبه وقاضيه الشَّيْخ عماد الدّين عمر النابلسي.
وفيهَا: فِي صفر مَاتَ قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان الْأَذْرَعِيّ الشَّافِعِي، ويكنى أَبَا دَاوُد أَيْضا بالسكتة، ولي الْقَضَاء بِمصْر ثمَّ بِالشَّام مُدَّة، وَكَانَ عَلَيْهِ سكينَة ووقار، وأحضر نَاصِر الدّين الدواتدار إِلَى مخدومه سيف الدّين تنكز فَضرب وأهين وكمل عَلَيْهِ مَال يقوم بِهِ وحصلت صعقة أتلفت الكروم والخضروات بغوطة دمشق.
وَمَات الْأَمِير سيف الدّين صلعنة الناصري، وَكَانَ دينا يبْدَأ النَّاس بِالسَّلَامِ فِي الطرقات.
وَمَات بطرابلس نائبها الْأَمِير شهَاب الدّين قرطاي المنصوري من كبار الْأُمَرَاء، حج وَأنْفق كثيرا فِي سبل الْخَيْر رَحمَه الله تَعَالَى.
وَمَات: بحماه قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين أَبُو الْقَاسِم عمر بن الصاحب كَمَال الدّين الْعقيلِيّ الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِابْن العديم، وَكَانَ لَهُ فنون وأدب وَخط وَشعر ومروءة غزيرة، وعصبية لم تحفظ عَلَيْهِ أَنه شتم أحدا مُدَّة ولَايَته وَلَا خيب قاصده.

الصفحة 294