كتاب تاريخ ابن الوردي (اسم الجزء: 2)

الرَّحْمَن بن الْمزي الدِّمَشْقِي بهَا مُنْقَطع القرين فِي معرفَة أَسمَاء الرِّجَال مشاركاً فِي عُلُوم، وَتَوَلَّى مشيخة دَار الحَدِيث بعده قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ.
وفيهَا: فِي صفر خلع السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور أَبُو بكر بن الْملك احْتج عَلَيْهِ قوصون الناصري ولي نعْمَة أَبِيه بحجج وَنسب إِلَيْهِ أموراً وَأخرجه إِلَى قوص إِلَى الدَّار الَّتِي أخرج الْملك النَّاصِر وَالِده الْخَلِيفَة المستكفي إِلَيْهَا جَزَاء وفَاقا، ثمَّ أَمر قوصون وَالِي قوص بهَا وَأقَام فِي الْملك أَخَاهُ الْملك الْأَشْرَف كجك وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين.
فَقلت فِي ذَلِك:
(سلطاننا الْيَوْم طِفْل والأكابر فِي ... خلف وَبينهمْ الشَّيْطَان قد نزغا)

(وَكَيف يطْمع من مسته مظْلمَة ... أَن يبلغ السؤل وَالسُّلْطَان مَا بلغا)

وفيهَا: فِي جُمَادَى الآخر جهز قوصون مَعَ الْأَمِير قطلبغا الفخري والناصري عسكراً لحصار السُّلْطَان أَحْمد بن الْملك النَّاصِر بالكرك، وَسَار الطنبغا نَائِب دمشق والحاج أرقطاي نَائِب طرابلس باشارة قوصون إِلَى قتال طشتمر بحلب لكَون طشتمر أنكر على قوصون مَا اعْتَمدهُ فِي حق أَخِيه الْمَنْصُور أبي بكر وَنهب الطنبغا بحلب مَال طشتمر وهرب طشتمر إِلَى الرّوم وأجتمع بِصَاحِب الرّوم ارتنا ثمَّ أَن الفخري عَاد عَن الكرك إِلَى دمشق بعد محاصرة أَحْمد بهَا أَيَّامًا وَبعد أَن استمال النَّاصِر أَحْمد الفخري فَبَايعهُ وَلما وصل الفخري إِلَى دمشق بَايع للناصر من بَقِي من عَسْكَر دمشق الْمُتَأَخِّرين عَن الْمُضِيّ إِلَى حلب صُحْبَة الطنبغا هَذَا كُله والطنبغا وَمن مَعَه بالمملكة الحلبية، ثمَّ سَار الفخري إِلَى ثنية الْعقَاب وَأخذ من مخزن الْأَيْتَام بِدِمَشْق أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم، وَكَانَ الطنبغا قد اسْتَدَانَ مِنْهُ مِائَتي ألف دِرْهَم، وَهُوَ الَّذِي فتح هَذَا الْبَاب.
وَلما بلغ الطنبغا مَا جرى بِدِمَشْق رَجَعَ على عقبه فَلَمَّا قرب من دمشق أرسل الفخري إِلَيْهِ الْقُضَاة وَطلب الْكَفّ عَن الْقِتَال فِي رَجَب فَقَوِيت نفس الطنبغا وَأبي ذَلِك وَطَالَ الْأَمر على الْعَسْكَر فَلَمَّا تقاربوا بَعضهم من بعض لحقت ميسرَة الطنبغا بالفخري ثمَّ الميمنة وَبَقِي الطنبغا والحاج أرقطاي والمرقبي وَابْن الأبي بكر فِي قَلِيل من الْعَسْكَر فهرب الطنبغا وَهَؤُلَاء إِلَى جِهَة مصر فَجهز الفخري وَأعلم النَّاصِر بالكرك، وخطب للناصر أَحْمد بِدِمَشْق وغزة والقدس فَلَمَّا وصل الطنبغا مصر وَهُوَ قوي النَّفس بقوصون قدر الله سُبْحَانَهُ تغير أَمر قوصون وَكَانَ قد غلب على الْأَمر لصِغَر الْأَشْرَف.
فاتفق إيدغمش الناصري أَمِير آخور ويلبغا الناصري وَغَيرهمَا وقبضوا على قوصون ونهبت دياره واختطفت الحرافيش وَغَيرهم من دياره وخزائنه من الذَّهَب وَالْفِضَّة والجواهر والزركش والحشر والسروج والآلات مَا لَا يُحْصى لِأَن قوصون كَانَ قد انتقى عُيُون ذخائر بَيت المَال وَاسْتغْنى من دَار قوصون خلق كثير وَقتل على ذَلِك خلق وَأَرْسلُوا قوصون إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَأهْلك بهَا وقضوا على الطنبغا وحبسوه بِمصْر وَلما بلغ طشتمر بالروم مَا جرى

الصفحة 321