كتاب تاريخ ابن الوردي (اسم الجزء: 2)

بحلب فَصَارَ الْقُضَاة أَرْبَعَة، وَلما بلغ بعض الظرفاء أَن حلب تجدّد بهَا قاضيان مالكي وحنبلي أنْشد قَول الحريري فِي الملحة:
(ثمَّ كلا النَّوْعَيْنِ جَاءَ فَضله ... مُنْكرا بعد تَمام الْجُمْلَة)

وفيهَا: فِي جُمَادَى الأولى هرب يلبغا من دمشق بأمواله وذخائره الَّتِي تكَاد تفوت الْحصْر خشيَة من الْقَبْض عَلَيْهِ، وَقصد الْبر فخافه الدَّلِيل وخذله أَصْحَابه وتناوبته العربان من كل جَانب وألزمه أَصْحَابه قهرا بِقصد حماه ملقياً للسلاح فَلَقِيَهُ نَائِب حماه مستشعراً مِنْهُ وَأدْخلهُ حماه ثمَّ حضر من تسلمه من جِهَة السُّلْطَان وَسَارُوا بِهِ إِلَى جِهَة مصر فَقَتَلُوهُ بقاقون وَدفن بهَا وَهَذَا من لطف الله بِالْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَو دخل بِلَاد التتار أتعب النَّاس ورسم السُّلْطَان بإكمال جَامِعَة الَّذِي أنشأه بِدِمَشْق وَأطلق لَهُ مَا وَقفه عَلَيْهِ وَهُوَ جَامع حسن بوقف كثير، وَكَانَ يلبغا خيرا للنَّاس من حَاشِيَته بِكَثِير.
وَكَانَ عفيفاً عَن أَمْوَال الرّعية، وَمَا علمنَا أَن أحدا من التّرْك ببلادنا حصل لَهُ مَا حصل ليلبغا، جمع شَمله بِأَبِيهِ وَأمه وأخوته وكل مِنْهُم أَمِير إِلَى أَن قضى نحبه رَحمَه الله تَعَالَى.
وفيهَا: فِي جُمَادَى الْآخِرَة نقل أرغون شاه من نِيَابَة حلب إِلَى نِيَابَة دمشق فسافر عَاشر الشَّهْر، وبلغنا أَن وسط فِي طَرِيقه مُسلمين وَهَذَا أرغون شاه فِي غَايَة السطوة مقدم على سفك الدَّم بِلَا تثبت، قتل بحلب خلقا ووسط وَسمر وَقطع بدوياً سبع قطع بِمُجَرَّد الظَّن بِحَضْرَتِهِ، وَغَضب على فرس لَهُ قيمَة كَثِيرَة مرح بالعلافة فَضَربهُ حَتَّى سقط ثمَّ قَامَ فَضَربهُ حَتَّى سقط وَهَكَذَا مَرَّات حَتَّى عجز عَن الْقيام فَبكى الْحَاضِرُونَ على هَذَا الْفرس.
فَقيل لَهُ:
(عقلت طرفك حَتَّى ... أظهرت للنَّاس عقلك)

(لَا كَانَ دهر يولي ... على بني النَّاس مثلك)

وَفِيه: اقتتل سيف بن فضل أَمِير الْعَرَب وَأَتْبَاعه أَحْمد وفياض فِي جمع عَظِيم قرب سلمية فانكسر سيف ونهبت جماله وَمَاله ونجى بعد اللتيا واللتي فِي عشْرين فَارِسًا،، وَجرى على بلد المعرة وحماه وَغَيرهَا فِي هَذِه السّنة بل فِي هَذَا الشَّهْر من الْعَرَب أَصْحَاب سيف وَأحمد وفيض من النهب وَقطع الطّرق، ورعى الكروم والزروع والقطن والمقائي مَا لَا يُوصف.
وَفِيه: انْكَسَرَ الْملك الأستر بن تمر تاش بِبِلَاد الشرق كسرة شنيعة ثمَّ شربوا من نهر مَسْمُوم فَمَاتَ أَكْثَرهم ومزقهم الله كل ممزق، وَكَانَ هَذَا الْمَذْكُور رَدِيء النِّيَّة موتوراً فذاق وبال أمره.
وفيهَا: فِي أواخرها وصل إِلَى حلب نَائِبا فَخر الدّين أياز نقل إِلَيْهَا من صفد.
وفيهَا: فِي رَمَضَان قتل السُّلْطَان الْملك المظفر أَمِير حَاج بن الْملك النَّاصِر بن قلاوون بِمصْر وأقيم مَكَانَهُ أَخُوهُ السُّلْطَان الْمَالِك النَّاصِر حسن كَانَ الْملك المظفر قد أعدم أَخَاهُ الْأَشْرَف كجك وفتك بالأمراء وَقتل من أعيانهم نَحْو أَرْبَعِينَ أَمِيرا مثل بيدمر البدري نَائِب حلب ويلبغا نَائِب الشَّام

الصفحة 335