كتاب تاريخ ابن الوردي (اسم الجزء: 2)

حَتَّى كَانَ الْبعد قرباً، وَكَانَ القلبان قلباً وأيد بولاء هَذَا الْبَيْت الناصري مُلُوك الأَرْض وَعبيد الْحق سلما وحرباً وعضد بِبَقَائِهِ كل ملك إِذا نزل الْبر أَنْبَتَهُ يَوْم الكفاح أسلاً وَيَوْم السماح عشباً وَإِذا ركب الْبَحْر لنهب الْأَعْدَاء كَانَ وَرَاءَهُمْ ملك يَأْخُذ كل سفينة غصبا وَإِذا بعث هداياه المتنوعة كَانَت عراباً تصْحَب عربا ورياضاً تسحب سحباً.
وَإِذا وقف أوقاف الْبر سَمِعت الْآفَاق من خطّ يَده قُرْآنًا عجبا واهتزت بذكراه عجبا.
وفيهَا: وَذُو الْوَلَاء قريب وَإِن نأت دَاره ودان بالمحبة وَإِن شط شط بحره ومزاره وَهُوَ بأخباره النيرة مَحْبُوب كالجنة قبل أَن ترى مَوْصُوف كوصف الْمشَاهد وَإِن حَالَتْ عَن الأكتحال بطلعته أَمْيَال السرى وَلما كَانَ السُّلْطَان أَبُو الْحسن سر الله بِبَقَائِهِ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين، وسره بِمَا كتب من اسْمه فِي أَصْحَاب الْيَمين {وَمَا أَدْرَاك مَا أَصْحَاب الْيَمين} هُوَ الَّذِي مد الْيَمين بِالسَّيْفِ والقلم فَكتب فِي أَصْحَابهَا وسطر الختمات الشَّرِيفَة فنصر الله حزبه بِمَا سطر من أحزابها وَمد الرماح أرشية فاشتقت من قُلُوب الْأَعْدَاء قليباً والأقلام أروية فشفت ضعف البصائر وحسبك بِالذكر الْحَكِيم طَبِيبا.
وفيهَا: ثمَّ وصلت ختمات شريفة كتبهَا بقلمه الْمجِيد المجدي وَخط سطورها بالعربي وطالما خطّ فِي صُفُوف الْأَعْدَاء بالهندي.
وفيهَا: وَأمر بترتيب خَزَنَة وقراء على مطالع أفقها ووقف أوقافها تجرى أَقْلَام الْحَسَنَات فِي إِطْلَاقهَا وَطَلقهَا، وَحبس أملاكاً شامية تحدث بنعم الْأَمْلَاك الَّتِي سرت من مغرب الشَّمْس إِلَى مشرقها، وَرغب فِي الْمُسَامحَة على تِلْكَ الْأَمْلَاك من أحكار ومؤونات وأوضاع ديوانية وضع بهَا خطّ الْمُسَامحَة فِي دواوين الْحَسَنَات المسطرات فَأُجِيب على الْبعد داعيه وقوبل بالإسعاف والإسعاد وَقفه ومساعيه، وختمها بقوله: وَالله تَعَالَى يمتع من وقف هَذِه الْجِهَات بِمَا سطر لَهُ فِي أكْرم الصحائف، وينفع الْجَالِس مكن وُلَاة الْأُمُور فِي تقريرها ويتقبل من الْوَاقِف.
وَفِيه: صليت بحلب صَلَاة الْغَائِب على الشَّيْخ شمس الدّين بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان بن قايماز الذَّهَبِيّ الدِّمَشْقِي مُنْقَطع القرين فِي معرفَة أَسمَاء الرِّجَال مُحدث كَبِير ومؤرخ من مصنفاته كتاب تَارِيخ الْإِسْلَام وَكتاب الْمَوْت وَمَا بعده وَغير ذَلِك، وكف بَصَره فِي آخر عمره.
ومولده سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة، واستعجل قبل مَوته فترجم فِي تواريخه الْأَحْيَاء الْمَشْهُورين بِدِمَشْق وَغَيرهَا، وَاعْتمد فِي ذكر سير النَّاس على أحدث يَجْتَمعُونَ بِهِ وَكَانَ فِي أنفسهم من النَّاس فآذى بِهَذَا السَّبَب فِي مصنفاته أَعْرَاض خلق من الْمَشْهُورين.
وفيهَا: كَانَ الغلاء بِمصْر ودمشق وحلب وبلادهن، وَالْأَمر بِدِمَشْق أَشد حَتَّى انكشفت فِيهِ أَحْوَال خلق، وجلى كَثِيرُونَ مِنْهَا إِلَى حلب وَغَيرهَا.
وَأَخْبرنِي بعض بني تَيْمِية أَن الغرارة وصلت بِدِمَشْق إِلَى ثَلَاثمِائَة، وَبيع الْبيض كل خمس بيضات بدرهم، وَاللَّحم رَطْل بِخَمْسَة وَأكْثر، وَالزَّيْت رَطْل بِسِتَّة أَو سَبْعَة.

الصفحة 337