كتاب قواطع الأدلة في الأصول (اسم الجزء: 2)

تعلقهم بقوله صلى الله عليه وسلم: " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" 1 "قلنا: هذا أمر من لم يكن في زمن الصحابة من أهل الاجتهاد بتقليد الصحابة لأن من كان من أهل الاجتهاد في الصحابة لا يجوز أن يأمره بتقليد مثله وأيضا فإن الاقتداء بهم هو الرجوع إلى المعاني المستنبطة من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأما الذي قالوه من بعد قلنا: أما دعوى التوقيف وأن الصحابى قال ما قال عنه بعيد لما بيناه وأما قوله إن اجتهاده يكون أقوى فلا يصح لأنه يجوز أن يسمع هو من النبي صلى الله عليه وسلم ويكون غيره أعلم بمعناه وقصده ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " نضر الله امرأ سمع مقالتى فبلغها غيره فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو أفقه" 2 "ولأنه لو كان ما قالوه صحيحا وجب على من لم تطل صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقلد من طالت صحبته لأنه يكون من طالت صحبته أبصر بمعانى كلام النبي صلى الله عليه وسلم ومقاصده لطول صحبته له واستبراء أحواله وكثرة اهتدائه إلى معانيه في أقواله وأفعاله ما لم يهتد من قلت صحبته وربما رآه رؤية أو سمع حديثا من أحاديثه وحين لم يقل أحد ما ألزمناهم عرفنا أن ما قالوه ساقط وقد قال بعض أصحاب أبى حنيفة: أنه إذا قال الصحابي قولا يخالف القياس يحمل على أنه قاله عن النبي صلى الله عليه وسلم: لأن الظاهر أنه لم يعدل عن القياس مع النفوذ في معرفة القياس وطريقه إلا بسنة عرفها عن النبي صلى الله عليه وسلم
والجواب: إن يكن حسبان فاسد وظن بعيد لأنا بينا أنه لو كان عنده خبر لرواه وما كان من عاداتهم الكتمان. بل كان طريقهم التبليغ على ما أمروا به فأما الذي قالوه قلنا إنما يجب علينا أن نحمل قولهم على أنهم قالوه عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان لا يجوز عليه الخطأ فأما إذا جاز عليهم الخطأ فلا يجب علينا أن نثبت خبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم بالشك ولو جاز هذا في الصحابة جاز في التابعى. أيضا وسائر الأمة فيقال: إذا ذهب الواحد منهم إلى خلاف القياس يحمل أمره على أنه قال ذلك لأنه سمع خبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يظهره وكل ما يمكن أن يكون في الصحابى يمكن أن يقال في التابعى أيضا فدل أن ما ظنوه باطل والله أعلم
فصل
__________
1 تقدم تخريجه.
2 أخرجه أبو داود: العلم "3/321" ح "3660" والترمذي: العلم "5/34" ح "2657- 2658" وابن ماجه: المقدمة "1/84" ح "230- 232" والدارمي: المقدمة "1/86" ح "228- 230" بنحوه.

الصفحة 11