كتاب قواطع الأدلة في الأصول (اسم الجزء: 2)

هم السواد الأعظم فلأن الواحد من أهل العصر إذا خالف من سواه من أهل العصر يوصف بالشذوذ وذلك اسم ذم فلو كان يعتد بخلافه معهم لم يوصفوا باسم الذم ولهذا أنكرت الصحابة على ابن عباس رضى الله عنه مقالته في الربا قالوا: ولأن الناس يقولوا في خلافة أبى بكر رضى الله عنه على الإجماع وقد خالف في ذلك جماعة منهم سعد بن عبادة.
وقال سلمان: كردن ونقلوا عن على رضى الله عنه أنه وقف عن البيعة مدة ومع ذلك لم يعتد بخلاف هؤلاء ولأن خبر الجماعة مقدم على خبر الواحد وكذلك قول الجماعة مقدم على قول الواحد وأما دليلنا أن الإجماع هو الحجة بالدلائل السمعية على ما سبق وإذا خالف الواحد أو الاثنان فقد فقد الإجماع ففقدت الجماعة والدليل على أن الإجماع قد فقد بخلاف الواحد والاثنين لأن دليل الإجماع قوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] والألف واللام لاستغراق الجنس فظاهر الآية اقتضى جميع المؤمنين وكذلك قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] فتناول جميع الأمة وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم "لا تجتمع أمتى على الضلالة" 1 تتناول جميعهم وإذا خالف مخالف وأن كان قليلا فقد فقد اجتماع الأمة وصار القول من بعض الصحابة دون البعض.
ببينة: أنه إذا كثر المخالف امتنع انعقاد الإجماع فكذلك إذا قل المخالف يمتنع أيضا بعد أن يكون من أهل الاجتهاد وهذا لأن القلة لا تمنع من الإصابة ويجوز أن يصيب القليل ويخطئ الكثير قال الله تعالى {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] وقال تعالى أيضا: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 249] وقال تعالى: {إِنَّ الذينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4] وقال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ: 20] فثبت بما قلنا: أن قلة العدد لا تمنع من إصابة الصواب وكثرة العدد لا تؤمن من الخطأ يدل عليه أن الإجماع لو انعقد مع خلاف الآحاد لوجب على المجمعين أن ينكروا على من خالفهم من الآحاد كيلا يتبعوا غير سبيل المؤمنين وقد أقرت الصحابة على خلافهم كما أقروا ابن عباس وإن كان قد تفرد بالخلاف في القول وقد تفرد هو أيضا بمسائل في الفرائض خالف سائر الصحابة وكذا ابن مسعود وقد أقر على ذلك ولأن أبا بكر قد
__________
1 تقدم تخريجه.

الصفحة 13