كتاب قواطع الأدلة في الأصول (اسم الجزء: 2)

العصر شرط بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يرى التسوية في القسم ولم يخالفه أحد من الصحابة ثم خالفه عمر لما صار الأمر إليه وفضل في القسم وصحت هذه المخالفة لأن العصر كان لم ينقرض على الأول وكذلك رأى عمر أن لا تباع أمهات الأولاد1 ووافقه عليه الصحابة. ثم إن عليا رضي الله عنه2 خالفه من بعد وهذا لأن الإجماع لا يستقر قبل انقراض العصر لأن الناس يكونون في حال تأمل وتفحص فوجب وقوفه على انقراض العصر ليستقر. وأما دليل من قال: إنه ليس بشرط قول الله عز وجل: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] وقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] وقوله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة: 143] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتى على الضلالة " 3 وكل هذه الدلائل موجبة للرجوع إلى الإجماع فإذا وجد الإجماع فشرط انقراض العصر زيادة لا يدل عليها دليل.
ببينة: أن هذه الدلائل توجب الرجوع إلى مجرد الإجماع لأنه لم تدل هذه الدلائل على غيره فإذا وجد وجب أن يحكم بكونه حجة ثم نقول: لا يخلو إما أن يكون الدليل هو انقراض العصر أو الاتفاق بشرط انقراض العصر أو مجرد الاتفاق والأول باطل لأنه يقتضى أن العصر إذا انقرض بدونه أن يسبقه اتفاق أن يكون حجة وهذا لا يقول به أحد وأما الثانى فباطل أيضا لأنه يقتضى أن يكون لموتهم تأثير في كون قولهم حجة وذلك لا يجوز أيضا كما لا يكون لموت النبي صلى الله عليه وسلم تأثير في كون
__________
= وأسندوه إلى ظنهم فلا بد من تطاول الزمن. ماتوا أو لم يموتوا.
وفصل الآمدي فقال: إن كان الإجماع قولا أو فعلا من الجميع لم يكن موتهم شرطا وانعقد الإجماع بمجردالفعل أو القول من الجميع وليس لواحد منهم الرجوع والمخالفة وإن كان الإجماع قولا من البعض وسكوتا من الباقي كان موتهم شرطا وصح لمن سكت أن يخالف.
انظر نهاية السول "3/315, 316" انظر المحصول "2/71" إحكام الأحكام للآمدي "1/366" المعتمد "2/41, 42" فواتح الرحموت "2/244" حاشية الشيخ محمد بخيت المطيعي على نهاية السول "3/315" أصول الفقه للشيخ محمد أبو النور زهير "3/175, 176".
1 وهو مذهب مالك وسفيان الثوري والحسن بن صالح وأصحاب الراي والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وقد احتجوا بأن عمر منع من بيعهن انظر الأشراف لابن المنذر "2/213".
2 ذكره المنذر قول علي وابن عباس رضي الله عنهما انظر الأشراف لابن المنذر "2/213".
3 تقدم تخريجه.

الصفحة 17