كتاب قواطع الأدلة في الأصول (اسم الجزء: 2)

وعلى أن ما ذكره من الترجيح لا يمنع من مساواة الناس بعين لهم في الاجتهاد. ألا ترى أن من طالت صحبته للنبى صلى الله عليه وسلم من أكابر الصحابة وعلمائها لهم من المزية بطول الصحبة وقوة الأنس بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ليس لصغارها ولمتأخريها ثم الجميع في الاجتهاد واحد فبطل ما قالوه ولأن هذا الترجيح إن كان قائما يكون فيما يوجد من التنبيه فأما فيما يوجد من الكتاب وسائر الأصوليين فلا يكون لمن شهد مع النبى صلى الله عليه وسلم مزية على غيره فإن قال قائل: إنكم قد قلتم: من قبل إن انقراض العصر ليس شرط من انعقاد الإجماع وإذا لم يكن شرطا وقد انعقد الإجماع فكيف يعتبر خلاف التابعي؟ والجواب: أنا قد قلنا في أول المسألة ما يبطل هذا السؤال لأنا قد بينا أن موضع الخلاف إذا لم تقع الحادثة حتى أدرك التابعى حال الاجتهاد فأما إذا سبق الاتفاق فلا إشكال أن أنعقاده وكونه حجة لا يقف على إدراك التابعى وموافقته لذلك وقد اعتبر ذلك من يشترط انقراض العصر وقد بينا أن هذا الاعتبار يؤدى إلى أن لا ينعقد إجماع.
"فصل": قد بينا من قبل أن من شرط الإجماع اتفاق جميع علماء العصر على الحكم فإن خالف بعضهم لم يكن إجماعا.
وقد سبق بيان هذا ومما يتصل بهذا أن من الناس من قال: إذا أجمع أهل الحرمين مكة والمدينة وأهل المصرين الكوفة والبصرة لم يعتد بخلاف غيرهم1 وما ذكرنا من قبل يدل على بطلان قول من زعم هذا. وقال بعضهم: إذا أجمع الخلفاء الاربعة لم يعتد بغيرهم وذهب إلى هذا القاضي أبو حازم من أصحاب أبى حنيفة وحكاه الضميرى عنه2. وقالت الرافضة: إذا قال على كرم الله وجهه شيئا لم يعتد بخلاف
__________
1 انظر نهاية السول "3/263, 264, 265" إحكام الأحكام "1/349" المستصفى "1/187" روضة الناظر "126" حاشية الشيخ محمد بخيت المطيعي "3/264, 265" أصول الفقه للشيخ محمد أبو النور زهير "3/154, 155".
2 الخلفاء الأربعة: هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي لقوله عليه السلام: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم ملكا ثم عضوضا وكانت مذة هؤلاء الأربعة ثلاثين سنة.
وقد اختلف العلماء في إجماعهم فالجمهور على أن إجماعهم على شيء مع وجود المخالف لا يكون حجة على غيرهم وقال الإمام أحمد والقاضي أبو حازم من الحنفية أنه حجة وإن وجد مخالف انظر نهاية السول "3/266, 267" إحكام الأحكام "1/357". انظر روضة الناظر =

الصفحة 21