العلم على وجه يصير به الإنسان عالما مجتهدا فرضا على الأعيان ولو كان كذلك لبطل معايش الناس ولأضر بهم ذلك ضررا بينا ولحقتهم المشقة التي لا يمكن احتمالها وقد دفع الله مثل هذا عن الأمة ووضع الإصر عنهم ولم يحملهم ما ليس لهم وسع في تحملها رحمة من الله تعالى ولطف فعله بهم وإذا لم يجب عليهم ما ذكرناه بقى فرضهم الأخذ بقول غيرهم وتقليدهم وهذا التقليد في الفروع جائز.
وأما قبول خبر الواحد إذا كان ظاهر العدالة فعمل يكون تقليدا اختلف أصحابنا فيه سماه بعضهم تقليدا وامتنع بعضهم من ذلك1 وهو الأولى لأنه لا يقع التسليم لقوله إلا بعد الاجتهاد في عدالته فصار قوله مقبولا بدليل والتقليد قبول قول الغير من غير دليل فلم يكن هذا من باب التقليد والله أعلم.
__________
= الأول: أصحها عند البيضاوي وعند الإمام وأتباعهما يجوز مطلقا بل يجب.
الثاني: لا بل يجب عليه أن يقف على الحكم بطريقه وإليه ذهب المعتزلة البغدادية.
الثال: قال به الجبائي يجوز ذلك في المسائل الاجتهادية.
انظر نهاية السول "4/586, 587" سلم الوصول "4/586, 587" جمع الجوامع ومعه حاشية الجلال "2/389" إحكام الأحكام "4/209" أصول الفقه للشيخ محمد أبو النور زهير "4/249, 250".
1 انظر نهاية السول "4/630, 631" سلم الوصول "4/630, 631" البرهان "2/1358, 1359".
مسألة: لا يجوز للعالم أن يقلد العالم:
ومن الناس من قال: إنه جائز وهو قول أحمد وإسحاق وعن محمد بن الحسن قال: يجوز له تقليد من هو أعلم منه ولا يجوز له تقليد مثله2 وهذا الذى قلناه يستوى فيه
__________
2 اعلم أن الأصوليين اختلفوا في هذه المسألة على أقوال كثيرة:
الأول: لا يجوز مطلقا وهو المختار للبيضاوي.
الثاني: يجوز مطلقا وهو المعروف عند الإمام أحمد بن حنبل.
الثالث: يجوز فيما يخص المجتهد من الأحكام ولا يجوز فيما يفتى به غيره.
الرابع: يجوز إذا خاف فوات الوقت ولا يجوز إذا لم يخف فواته -وذلك فيما يخصه لا فيما يفتى به غيره.
الخامس: يجوز إذا كان المفتى أعلم منه ولا يجوز إذا كان مساويا له أو أقل منه وهو مذهب محمد بن الحسن.
السادس: يجوز تقليد غيره -إذا كان الغير صاحبيا أرجح في نظره من غيره ولا يجوز تقليد =