كتاب قواطع الأدلة في الأصول (اسم الجزء: 2)

كانت عليه فقالوا: ولأن ما ثبت بالعقل من براءة الذمم يجب استصحابه في مواضع الخلاف فكذلك ما ثبت بالإجماع وجب وأن يكون كذلك هذا لأن الحكم إذا ثبت بدليل من دلائل الشرع لا يجب استدامة الدليل لبقاء الحكم بل يبقى الحكم ويدوم إلى أن يقوم الدليل على قاطع يقطعه ومسقط يسقطة فإذا لم يقم الدليل على سقوطه بقى ثابتا على ما كان من قبل ومن ادعى سقوطه فعليه الدليل ألا ترى: أن من ادعى النبوة وأقام المعجز على ثبوته فإن تجدد إنكار منكر لنبوته لا يجب عليه إقامة المعجز ثانيا بل النبوة على ثباتها بالدليل الذي أقامه من قبل فيستمر الثبوت ولا يلتفت إلى قول المنكر ولا حجة على المنكر في هذه الصورة إلا من جهة استصحاب الحال وعلى هذا إذا عرفنا فراغ ذمة الإنسان يحكم أن الأصل فراغه فلو ادعى عليه إنسان حقا فإن القول قول المنكر لأن الأصل فراغ ذمته فصار استصحاب الأصل الذى عرفناه دليلا في دفع دعوى المدعى عنه وكذلك إذا ثبت الملك لإنسان فنازعه منازع يكون القول قول من في يده وإنما جعلنا القول قوله باستصحاب الحال التي تقدمت فدل أن استصحاب الحال حجة في الأحكام معمول بها وعلى هذا نقول من اشترى أخاه أو عمه لم يعتقه عليه لأن الأصل بقاء ملكه الثابت بالشراء فمن ادعى زواله فعليه الدليل.
فأما الدليل على أن استصحاب الحال ليس بحجة هو أن المستصحب ليس له في موضع الخلاف دليل لا من جهة العقل ولا من جهة الشرع فلا يجوز له إثبات الحكم فيه. دليله: ما إذا لم يتقدم موضع الخلاف إجماع وإنما قلنا لا دليل له لأن دلائل الشرع معلومة من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس ولم يؤخذ شيء من هذا في هذه الصورة أما الكتاب والسنة فلا شك في انعدامها ها هنا وكذلك القياس وأما الإجماع فقد كان ثابتا لكنه قد زال وإذا انعدمت الدلائل فما قالوه إثبات حكم بلا دليل وقد نذكر صورة حتى يتبين الكلام فنقول: المستدل باستصحاب الحال في مسألة التيمم إذا رأى الماء في الصلاة لا يخلو إما أن يشترك بين الحالتين في وجوب الوضوء لاشتراكهما فيما يدل على وجوب الوضوء فإن قال ذلك فليس هذا بدليل بل ينبغي أن يتبين للخصم اشتراك الموضعين فيما يدل على وجوب الوضوء وإما أن يشترك بينهما في الحكم لاشتراكهما في علته وهذا قياس وإما أن يشترك بينهما بغير دلالة ولا علة فليس هو بأن يجمع بينهما بأولى بأن لا يجمع بينهما وهذا لأن عدم الدليل لا يكون حجة فإن قالوا: إن حدوث الحادث لا يغير الأحكام فحدوث الصلاة لا يغير حكم وجوب الوضوء قيل له: لا

الصفحة 37