والوجوب بالخطاب فكل من ثبت في حقه الخطاب ثبت الوجوب ومن لم يثبت في حقه الخطاب لم يثبت في حقه الوجوب إما بصغر أو جنون أو نوم.
ونقول على هذا في النائم والمغمى عليه والحائض إنما يجب عليهم كما يجب بعد اليقظة والإفاقة والطهر من الحيض.
وهذا لأن القضاء يجب بأمر جديد لا بالأمر السابق فاستقام أن يجب على هؤلاء هذه العبادات بعد زوال الأسباب المانعة في الخطاب ووجوبه باسم القضاء لا يدل على أن الوجوب ثبت عليهم في حال النوم والإغماء وحال الحيض لما بينا أنه وجب بأمر جديد لا بالأمر الأول غير أنه لولا الأمر الأول وامتناعه بالعوارض المعلومة لم يجب شئ بهذا الأمر الثانى. فمن هذا الوجه سمى قضاء فيمكن أن يقال: إن الإيجاب ليس إلا إيجاب الأداء فإذا سلموا بثبوت الأداء بالخطاب فقد سلموا أن أصل الوجوب بالخطاب لأنه لا يعرف الوجوب إلا وجوب الأداء وقد قررنا هذا في الخلافيات وهذا لأن الأمر لا يكون إلا لفائدة ولا فائدة للإيجاب إلا الأداء فدل أن الإيجاب ليس إلا أيجاب الأداء ويقال لهم: أيش وجب عليه؟ ولا يمكنهم أن يحققوا وجوب شئ عليه بأى معنى ذكروا سوى فعل هذه الأشياء أصلا.
فصل: في حين الخطاب شرعا
...
"فصل"1:
ثم ذكر بعد هذا الكلام في حين الخطاب شرعا قال: لا خلاف أن حين الخطاب شرعا حين البلوغ عن قدرتين: قدرة فهم الخطاب بالعقل وقدرة العمل وهو بالبدن بدليل قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ولا وسع إلا بعدها بين القدرتين وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] أى ضيق.
وقال تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} [الأعراف: 157] أى الثقل فدل رفع الحرج والإصر على رفع ما لا يطاق بطريق الأولى فدلت آية الوسع أنه لا تكليف. لأول حال الأدمى لأنه لا قدرة له أصلا ودلت الآية الثانية على سقوطه لأول ما يعقل لأنه يخرج للفهم بأدنى عقله ويثقل عليه الأداء إلى أن يعتدل عقله وقدرته فيشق عليه الفهم والعمل به ثم وقت الاعتدال متفاوت في جنس بنى آدم فلا يمكن الوقوف عليه إلا بعد تجربة وتكليف عظيم فوقت الله تعالى بحال تعتدل لديه العقول في الأغلب على سلامة الفطرة من الآفات وهو البلوغ فقام البلوغ شرعا مقام اعتدال العقل فتوجه لديه
__________
1 بياض في الأصل.