كتاب قواطع الأدلة في الأصول (اسم الجزء: 2)

ورود الشرع بأن يعتقد فيه الإنسان ما هو من خلاف أوصافه قلنا لا يجوز لاستحالته في نفسه وبيان ذلك أن الأمر لا يلزم إلا بمعرفة الأمر على أوصافه فإذا أمرنا لاعتقاد فيه على خلاف ما هو به كان قد وجب الاعتقاد فيه على ما هو به ويستحيل وجود أمر بمأمور هذا وصفه ويكون متناقضا ولا يمكن اعتقاد المتناقض ونحن وإن قلنا: إن العقل لا يوجب شيئا ولا يحرمه ولكن نقول إنه آلة الدرك والتمييز والمستحيل لا يدرك فسقط عنه الدرك والأولى أن نقول: إنما عرفنا أن الله عز وجل لا يكلفنا بما قلتم من اعتقاد الكفر ومعرفته على خلاف ما هو به الشرع قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} وأفحش الفواحش الكفر وقال تعالى: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [مريم: 35] . وهذه مسألة كلامية فالأولى هو الاقتصار على هذا القدر والمبالغة في مثل هذا النوع لا يؤمن فيه من المعفوات وأن يقال على الله تعالى ما لا يجوز وإنما ذكرنا القدر الذي ذكرناه لأنه كان من مسألة عظيمة في أصول الفقه ولأن مرجع ما يصير أليه أهل السنة في هذه المسألة إلى الآيات التي ذكرناها. وهو أيضا أصل كبير ولعله يحتاج إليه في مسائل من الفقه فذكرنا هذا القدر لئلا يكون الفقيه أجنبيا عنه ويعرف طرفا منه والله تعالى يهدى ويرشد ويوفق بمنه.
مسألة: إذا عرفنا الأصل الذي قد بيانه رجعنا إلى المسألة المقصودة المختصة بأصول الفقه فنقول: اختلف العلماء في الأعيان المنتفع بها ما حكمها قبل ورود الشرع قال كثير من أصحابنا: إنها على الوقف لا نقول إنها مباحة ولا محظورة وهو قول الصيرفى وأبو بكر الفارسي وأبى على الطبرى وبه قال أبو الحسن الأشعرى ومن ينتمى إليه من المتكلمين وقال بعض أصحابنا إنه على الحظر إلا أن يرد الشرع بإباحتها وهو قول بعض البغداديين من المعتزلة وقال القاضى أبو حامد المروزى وأبو إسحاق المروزى وحكى ذلك أيضا عن ابن سريج أنها على الإباحة أيضا وهو قول أصحاب أبى حنيفه وإليه ذهب أكثر المعتزلة1. واحتج من ذهب إلى الإباحة بقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32] وهذا لتحريم الإباحة دل
__________
1 انظر نهاية السول "4/352" انظر حاشية الشيخ محمد بخيت المطيعي "4/353" انظر أصول الفقه للشيخ محمد أبو النور زهير "4/174".

الصفحة 48