كتاب قواطع الأدلة في الأصول (اسم الجزء: 2)

أن الله تعالى خلق الأشياء على الإباحة حيث أنكر على من يعتقد التحريم واستدلوا من حيث المعقول وهو أن الانتفاع بالعين أكلا في المأكول وشربا في المشروب وركوبا في المركوب ولبسا في الملبوس منفعة ليس فيها وجه من وجوه القبح فكان حسنا والعقل يجوز فعل المستحسنات وإنما قلنا: إنه منفعة لأنا نعلم قطعا أن أكل الفاكهة منفعة وشرب الماء كذلك وكذلك كل ما أشبهه وأما قولنا: إنه انتفى عند وجوه القبح لأنه انتفى عنه اتصال مضرة يأخذ وهذا النوع من الفعل لو كان قبيحا لكان وجه قبحه اتصال ضرر منه بغيره لأنه ليس في نفسه بكذب ولا جهل ولا كفر لمنعم إنما يبقى وجه قبحه أن يظلم به غيره ويتصل منه ضرر بذلك الغير ولا شك أن هذا منتف فثبت حسنه من هذا الوجه قالوا: ولا يجوز أن يقال: إنه يجوز أن يكون قبيحا فإذا لم نأمن كونه قبيحا لم يجز فعله وذلك لو كان قبيحا ومفسدة لوجب في الحكمة تعريفنا كونه مفسدة أو نصب أمارة عليه فلما لم يوجد ذلك علمنا أنه ليس فيه مفسدة ولا قبح أصلا.
ببينة: أنا إذا لم نعلم وجه قبح جاز لنا هذا الانتفاع كالتنفس في الهواء لما لم يعلم قبحه جاز لنا ذلك وقرروا هذا الكلام من وجه آخر وهو أن النفع بالعين يدعو إلى الفعل فإذا خلا من وجوه القبح وخلا من أمارة الضرر والمفسدة حكم بحسنه وعلى هذا التقرير يقولون: إن المعتبر هو الأمارة والدليل وعلى أن المعتبر هو أمارة الضرر والمفسدة أن العقلاء لا يلومون من امتنع من الفعل لتجويز الضرر إذا كان هناك أمارة ويلومون من امتنع لمجرد التجويز إذا لم يكن عليه أمارة الا ترى أنهم يلومون من امتنع من أكل طعام شهى لتجويز كونه مفسدة إذا لم يكن عليه أمارة بأن يقول هو مسموم ولا يلومونه إذا امتنع من أكله إذا كانت هناك أمارة تدل على ما قاله وكذلك يلومون من امتنع من القيام بجنب حائظ لخوف سقوطه إذا لم يكن هناك أمارة ولا يلومون إذا امتنع وهناك أمارة من ميل أو فساد أساس وما أشبه ذلك فثبت أن المعتبر وجود الأمارة على كونه مفسدة أو مضرة ولم يوجد ها هنا فقضى بحسن الفعل بدليل ما بينا يدل عليه أنه لو قبح الإقدام على المنفعة لجواز كونها مفسدة لقبح الإحجام عنه أيضا لجواز كونه مصلحة وفى هذا إيجاب الانفكاك منهما وهو إيجاب لما ليس في طوق الإنسان ووسعة قالوا: ولا يجوز أن يقال: إن القبح إنما كان لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذن فلم قلتم: إن هذا قبيح فإن قاسوه على تصرف بعضنا في ملك بعض فهذا

الصفحة 49