كتاب قواطع الأدلة في الأصول (اسم الجزء: 2)

قياس باطل لأن معنى الملك فينا وفى الله مختلف فالجمع بين ملكنا وملك الله لا يجوز وإنما قلنا: إنه يختلف لأنه معنى كوننا مالكين للشئ هو أنا أحق بالانتفاع به من غيرنا على الإطلاق وذلك مستحيل على الله عز وجل ومعنى كونه مالكا للشئ أنه قادر على إفنائه وإيجاده.
ببينة: أن في الامتناع من الانتفاع إضرار بالنفس وليس في الانتفاع إضرارا بملك الله تعالى فصار الأولى إطلاق الانتفاع ثم نقول إنما قبح تصرفنا في ملك غيرنا لأنه يضره لا لأنه مالكه فقط ألا ترى أنه يحسن منا الاستظلال بحائط غيرنا والاستضاءة بنار غيرنا وكذلك النظر في مرآة الغير والتقاط ما تناثر من حب غلته بغير إذنه لما لم يضره ذلك والانتفاع والضرر يستحيلان على الله عز وجل فصارت الإباحة متعينة.
دليل آخر: وهو أن الله تبارك وتعالى خلق هذه الأعيان وأوجدها وركب فيها المنفعة فلا يخلو من أن يكون خلقها لغير غرض أو لغرض ولا يجوز أن يكون لغير غرض لأنه يكون عبثا ولا يجوز أن يكون الله تعالى عابثا في أفعاله فوجب أن يكون خلقها لغرض ولا يخلو عند ذلك إنما يكون خلقها ليضر بها أو لينتفع بها ولا يجوز أن يقال خلقها ليضر بها لأنه حكيم لا يبتدئ بالضرر ولأن الإضرار بمن لا يستحق الإضرار سفه فدل أنه خلقها لينتفع بها وإذا خلقها لينتفع بها فلا يخلو أما أن يكون خلقها لينتفع بها نفسه أو ينتفع غيره وهو العباد ولا يجوز أن يكون لينفع نفسه لأنه غنى عن المنافع ولا يتصور أن يصل إليه نفع فدل أنه خلقها لينفع بها عباده وإذا خلقها لينفع بها عباده فيكون خلقها إذا لهم في الانتفاع بها فإن قلتم خلقها ليستدل بها نقول إنما يصح الاستدلال بها إذا عرفت والمعرفة بها موقوفة على إدراكها وإن قلتم: خلقها ليجتنب العبد عنها ويصير العبد يبتلى بذلك فإذا اجتنب يستحق الثواب نقول في هذا إباحة الإدراك1 أيضا لأنه إنما يستحق الثواب بتجنبها إذا دعت النفس إلى إدراكها ولابد في ذلك من تقدم إدراكها حتى إذا أدركها وصارت النفس داعية إليها حينئذ إذا اجتنب استحق الثواب فثبت أنه كيفما كان الأمر لا فائدة في خلقها وتركبت المنفعة فيها إلا الإباحى للانتفاع بها دليل آخر وهو أنه يحسن من العقلاء التنفس في الهواء والاستنشاق من النسيم ويجوز أن يفعلوا منه أكثر ما يحتاج إليه للحياة ومن رام أن يقدر على نفسه ذلك فلا يزيد على قدر ما يحتاج إليه للحياة عده العقلاء من المجانين والعلة في جواز
__________
1 ثبت في الأصل "الأراك".

الصفحة 50