كتاب قواطع الأدلة في الأصول (اسم الجزء: 2)

فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الآية. فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه "الآية فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الاحتجاج بلا دليل على التحليل من طريق الشرع وعدم الدليل لا يكون حجة على الإباحة فعلم أن الإباحة في الأعيان المنتفعة بها اصل ثابت بدليل العقل لأنه حجة يجب العمل بها حتى يتبين في الشرع إن الحق بخلاف ذلك فيصير الدليل الشرعى كالمخصص بدليل العقل فيكون حكم ذلك الخاص يرد على العام فيبقى العام حجة فيما لم يرد الخصوص فيه هذا طريقته.
وقال بعضهم: إن الله تعالى غنى على الحقيقة جواد على الحقيقة وبهذا الوصف يعرف الله من عرف الله والغنى الجواد لا يتصور منه منع ماله عن عباده إلا ما كان فيه ضرر. فتكون الإباحة [هي] 1 الأصل باعتبار جوده وغناه والحرمة تعارض ولا عارض يوجب الحرمة فتثبت الإباحة وأما من قال بالحظر. قال: وذلك لآن الشئ إذا لم يكن له من الظاهر أصل يستدل به على حكمه استشهد له بالنظائر والأمثلة والأشباه وألحق حكمه بهذا وقد علمنا أن الأشياء كلها ملك الله تعالى وله الخلق والأمر وملك الغير لا يجوز تناوله إلا بإذنه فوجب أن تكون الأشياء كلها على الحظر وينبغى أن تبقى الأشياء على ملك مالكها ولا يتعرض لشئ منها إلا بإذنه وأمره ولأن الملك علة الحرمة على غير المالك بدليل سائر الأملاك. فإذا وجدت علة الحرمة ولم توجد علة الإباحة كان الشئ على الحرمة هذا مجموع كلام المخالفين. وأما دلائلنا أعلم أولا أنه ليس معنى الوقف هو أنه يحكم به لأن الوقف حكم مثل الحظر والإباحة والدليل الذي يمنع من القول بالحظر والإباحة يمنع من القول بالوقف وإنما يعنى الوقف أنه لا يحكم للشئ بحظر ولا إباحة لكن يتوقف في الحكم بشئ إلى أن يرد به الشرع وإذا عرف هذا. فنقول: هذه المسألة بناء على أن يعمل مجرد ما لا يدل على حسن شئ ولا قبحه ولا على حظره ولا تحريمه وإنما كل ذلك موكول إلى الشرع فنقول المباح ما أباحة الشرع والمحظور ما حظره الشرع فإذا لم يرد الشرع بواحد منهما لم يبق إلا التوقيف إلى أن يرد السمع فيحكم به وقد دللنا بنص من القرآن أن الحجة لا تقوم على الآدمى بالعقل مجردة بحال
ببينة: أنه ليس من الحكمة تخلية الإنسان وعقله؛ لأن عقول عامة الناس معمورة بالهوى مكفوفة عن بلوغ المقالة بالميل الطبعى إلى خلاف ما يهتدى إليه ولهذا النظر
__________
1 ثبت في الأصل "هو" ولعل الصواب ما أثبتناه.

الصفحة 52