كتاب قواطع الأدلة في الأصول (اسم الجزء: 2)

أكثر العقلاء في مهاوى الحيرة ولحقهم من الدهش والتردد ما ليس وراءه غاية والدليل على هذا أنا لا نجد أحدا خلاه الله وعقله بل بعث الرسل وأنزل الكتب ولو كان العقل يستقل بشئ ما لجاز أن يوجد عبد خلى وعقله من غير أن يدخل تحت رتبة أحد من الأنبياء إلى صانعه وهؤلاء الفلاسفة الذين اتبعوا العقول ولم ينقادوا لأحد من الأنبياء فيما يعرف أو أرادوا إدراك الحق بالعقل المحض إما يرآهم المعتبر ارتكسوا وانتكسوا ولادته في النظر العقلى إلا وهو دون دقة نظرهم فإنهم بلغوا من هذا الباب إلى ما يجاز دونه الوهم ويضل عن إدراكه الفهم هذا بعد قيامهم على أخلاقهم بتهذيبها وعلى طبائعهم بتأديبها ورضى أكثرهم من الدنيا بالقوت اليسير وعزوف أنفسهم عن الملاذ والشهوات فلما تخلوا وعقولهم وطلبوا الحق من جهته ولم يصلوا إليه بتأييد سماوى وبرهان إلهى ووحى غيبي ترددوا وسلكوا واعتقدوا العقل الفعال والنفس الكلى وعلة العلل والهيولى وغير ذلك من ألفاظ مهولة وضعوها على وفق مذاهبهم وقد كان قصدهم طلب الصانع ولكنهم لما تخلوا بعقلهم وخلوا وعقلهم فليعتبر معتبر ولينظر ناظر إلى أي شئ صار أمرهم وأى شئ. فإنهم على وفق ما ذهبوا إليه لا يتصور اعتقاد وحدانية الصانع وكثير منهم اعتقد خمسة قدماء وكثير منهم اعتقد قديمين اثنين إلى غير ذلك مما لا يخفى على العلماء والسعيد من وعظ بغيره فليبق امرؤ وزنه وليبق على نفسه ولا يدخل في دينه ما ليس منه وليتبع الوحى الشرعى والتمس التأييد الإلهي ولا يعتبر بزخارف من القول وأباطيل من البهت فإنها خدع الشيطان وتسويلات النفوس وخذلان من الله عز وجل يلحق العبد ولا عقوبة من الله تعالى أعظم من أن يكل العبد إلى نفسه وحوله وقوته ويخليه ورأيه ومعقوله ويحول وجهه إلى الطاغوت الأعظم والصنم الأكبر وقد جعل التبرى من حول الله وقوته إلى حول نفسه وقوته من المهلكات التي لا تلبث ولا تربث فأنشد الله عبدا وقف على هذا أن يجعل كده ووكده وسعيه وجهده ليتخلص من هذه المذلة العظيمة والورطة الهائلة فكم من هالك فيها لا نجاة له ووقع في هذه المهواة لا نهوض به مستعينا بالله مستغيثا به ملتجئا إليه مستعيذا به. ذكرنا أكثر من هذا في كتاب "الانتصار" فمن يرغب فليرجع إليه وقد قال أصحابنا في هذا أن هذه الأعيان ملك لله عز وجل له أن يمنع من الانتفاع بها وله أن يبيح الانتفاع بها وله الانتفاع بها وقبل أن يرد الشرع لا مزية لأحد لهذه الوجوه على

الصفحة 53