كتاب قواطع الأدلة في الأصول (اسم الجزء: 2)

والسائبة1 والحام2 وكان قوم يقال لهم: الحمرة وكانوا ابتدعوا أشياء منها: أنهم لا يسلئون3 السمن لانه قطوان الأقط ولا يدخلون البيوت من أبواب البيوت وغير ذلك فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية وأنزل فيهم أيضا قوله: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} الآية. وأما قولهم: إن الانتفاع بما فعل في هذا المحل فليس فيه وجوه من وجوه القبح. قلنا: هذه طريقة منصوبة لبيان أن الانتفاع بالمحل أكل مباح في العقل ونحن قد بينا أن العقل لا يجوز أن يفيد بنفسه حسن شئ ولا قبحه. ثم قد قيل: على هذا إما لا نسلم أنه انتفى عنه وجوه القبح بكل حال لأن جواز كونه مفسده قائم وجواز كونه مفسدة يكنى في إظهار وجه القبح كالخبر إذا جاز أن يكون كذبا قبح من ذلك.
ونعني بقولنا: أنه يجوز أن يكون مفسدة هو أنه لا يجوز أن لا يبيح الله تعالى هذا الشئ إذا لم يبح يكون الإقدام عليه قبحا أو مفسدة وأيضا يجوز أن لا يكون الإقدام على هذا مصلحة فإن إمكان الانتفاع بالشئ لا يوجب كونه مصلحة. لجواز أن يكون المحل منتفعا به ولا يكون الانتفاع به مصلحة عند الله تعالى. فإن قالوا إن الغالب فيما هذا سبيله. أن لا يكون فيه وجه قبح. قلنا: لم زعمتم أن الغالب ما ذكرتم ولم إذا كان الغالب ذلك لا يكون تجويز وجه القبيح كافيا بالقبح فأما قولهم إنما يحسن الإحجام أذا كان على المفسدة أمارة قلنا: قد يكون أمارة وقد لا يكون أمارة وتجويز المفسدة في الموضعين يوجب وجه القبح لأن العقل مانع من الإقدام على القبيح وعلى ما يجوز أن يكون قبيحا وكم من أشياء مجوزة لا أمارة عليها. يدل عليه أنا لما رأينا عند استقرار الشرع كثيرا من الأشياء التي ينتفع بها محرمة ورأينا كثيرا من الأشياء
__________
1 قال في القاموس والسائبة المهملة والعبد يعتق على أن لا ولاء له والبعير يدرك نتاج نتاجه فيسيب أي يترك لا يركب والناقة كانت تسيب في الجاهلية لنذر ونحوه أو كانت إذا ولدت عشرة أبطن كلهن إناث سيبت أو كان الرجل إذا قدم من سفر بعيد أو نجت دابته من مشقة أو حرب قال عي سائبة أو كان ينزع من ظهر فقاره أو عظما وكانت لا تمنع عن ماء ولا كلأ ولا تركب انظر القاموس المحيط "1/84".
2 الحام: -فحل الإبل يضرب الضراب المعدود فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت ةأعفوه عن الحمل فلم يحمل عليه شيء وسموه الحامي انظر تفسير ابن كثير "2/107".
3 سلأ السمن كمنع طبخه وعالجه كاستلأه القاموس المحيط "1/18".

الصفحة 55