كتاب قواطع الأدلة في الأصول (اسم الجزء: 2)

مباحة مطلقة. فمن أين وقع الأمان لنا. إن هذه الأفعال ليست قبيحة وقد جاز كونها حسنة وكونها قبيحة فأما الامتناع من تناول الطعام لجواز كونه مسموما. فليس أمارة إنما لم يحسن لأنه يرى من تقدم عليه ولا مفسدة في حقه وكذا في الحائط المستقيم يرى من يقوم تحته ولا مفسدة عليه. أما ها هنا فلا أمان أن يكون التناول مفسدة عند الله تعالى ولا مثال يوجب الأمان. فلم يحسن خوفه وامتناعه. وأما قولهم: لو قبح الإقدام لجواز كونه مفسدة أيضا. قلنا: نحن نقول: إن العقل لا يوجب إقداما ولا إحجاما وإنما علينا الكف فإن قالوا ربما يكون الكف مفسدة.
قلنا: الكلام في جواز الإقدام لا في وجوب الإقدام ومن يجوز له الإقدام على شئ من غير أن يوجب عليه لا يكون ترك ذلك مفدسة. فأما مع تجويز الحظر يجوز أن يقال إن الإقدام يكون مفسدة وعلى أنا نقول: إذا جوزنا وجود المفسدة في الإقدام والإحجام جميعا. فلا جرم لم ينفك فعل من هذه الأفعال عن سمع يطلق الإقدام أو يوجب الإحجام وإنما كلامنا على تقدير عدم السمع أو يكون الكلام في أن السمع الوارد بالإباحة ورد مقدرا للإباحة أو مثبتا للإباحة ابتداء فعندنا هو مثبت للإباحة ابتداء. وعندكم هو مقرر للإباحة مؤكد لما ثبت في العقل منها.
وأما قولهم: أنه لابد من أن يكون خلو المعنى. قلنا: تعليل أفعال الله تعالى لا يجوز ويكون باطلا عندنا وإنما يخلق ما يشاء ويفعل ما يرد من غير أن يكون لذلك علة بوجه ما وعلى أنه يجوز أن يكون خلق هذه الأشياء ليعتبر بها فيعرف قدرة الله تعالى ويتأمل حكمته فيها وألغيت فعل ما ليس له وجه في الحكمة.
ببينة: أنه يجوز أن يعبد الله تعالى بأن لا يأكل هذا المأكول ولا يشرب هذا المشروب كما يتعبده بما يؤلمه ويؤذيه ويؤدى إلى تلفه كما تعبدنا بالجهاد والختان وكما تعبد بنى اسرائيل بأن يقتل بعضهم بعضا.
وقوله: إنه لا يتحقق الابتلاء وتعريضه للثواب إلا بعد أن يثبت على حقيقته ويعرف ويحسن بميل طبيعته إليه. ثم يكلف الاجتناب عنه. قلنا إذا عرف أنه مأكول أو مشروب ونفسه متشوقة إلى المأكول والمشروب طبعا. ثم أمر بالاجتناب عنه بتحقيق الابتلاء وتعريضه للثواب.
وقولهم: إنه إنما يقبح التصرف في ملك الغير بكذا وكذا.
قلنا: الملك سبب التصرف فإذا فات سبب الملك قبح التصرف ولأنه يجوز أن

الصفحة 56