كتاب قواطع الأدلة في الأصول (اسم الجزء: 2)

أوقع نفسه فيها فهذا الفعل منه أقبح ومثاله من باب الشرع من بلغته الدعوة والمعجزة فلم يتأمل وكفر كان قبيحا والذي تأمل وعرف ورد تعنتا كان فعله أقبح وأما العبث فحرام عقلا لأنه اسم لفعل يخلو عن الفائدة لأن نفس الفعل وإن قل لا يخلو عن أدنى تعب فلا يحتمل هذا التعب عقلا إلا لفائدة أولى منه وأما السفه فحرام أيضا لأن فيه مع خلو الفائدة مضرة فكان أقبح من الأول لوجود معنى الأول فيه من فوت الفائدة وزيادة ضرر فكان السفه من العبث بمنزلة الظلم من الجهل ثم ذكر محرمات العقل للدين قال: وهذه المحرمات أربعة: الإيمان بالطاغوت وكون الخلق للحياة الدنيا واقتضاء الشهوات فيها والإنكار بالصانع جل جلاله والإنكار بالبعث للجزاء أما الإيمان بالطاغوت اسم لما عبد من دون الله أو سمى قديما دونه على حسب اختلاف المشركين والملحدين لان ما دون الله لا يخلو عن صفات الحدث كما أن الإنسان بنفسه لا يخلو عنه فلم حرم عليه القول بأنه الإله المعبود فليحرم القول بغيره بطريق الأولى وإلى هذا أشار الله تعالى بقوله: {إِنَّ الذينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأعراف: 194] يعني من حيث إنها مخلوقة. وأما القول بأن الدنيا مخلوقة لاقتضاء الشهوات فحرام لأنك كما لا تجد نفسك وكل من دون الله إلا وأمارات الحدث فيه ظاهرة كذلك لا تجد شهوة إلا مشوبة بما لا يشتهي فإن الحياة رأس مال الحى وقد ابتلى الحى بالموت والشهوة شهوتان شهوة بطن وشهوة فرج وما سواهما اتباع في حق الحياة وشهوة البطن الأكل والاكل لا ينال اصله إلا بضرب كسب ويحتاج بعده إلى قضاء الحاجة الذي إذا عرف العاقل قبحه لم يباشر سببه مع الإمكان بدونه ألا ترى أن الأكل في الآخرة كيف يخلو عن الكسب وقضاء الحاجة لما كانت الدار لاقتضاء الشهوة وأما الجماع لا ينال إلا بطلب وشبق ثم لا يقضى إلا بذهاب القوة فحرم القول أنه خلق لاقتضاء الشهوة حيث لا ينال ما يشتهي إلا بماء لا يشتهى وأما الكفر بالله فحرام لأنه من حيث عرف نفسه مخلوقا يعرف خالقه والمنعم عليه والكفر بمن أنعم عليه حرام لأنه بمنزلة من ذم من أحسن إليه فيكون كذبا وظلما وسفها فقد وضع الشيء في غير موضعه ولما حرم الكفر بالله تعالى حرم إنكار البعث للجزاء لأن خلق الدنيا بدون البعث للجزاء عبث من الله تعالى ووصف الله تعالى بالعبث كذب عليه كالكفر كذب على الله فكان بابا واحد وبالله التوفيق ثم ذكر المباحات التي تجوز عقلا للدنيا قال: وهذه أربعة أقسام قال: وأعنى بالجوز أنه يجوز أن يكون مباحا عقلا وهذه الأقسام نحو مباشرة

الصفحة 62