كتاب قواطع الأدلة في الأصول (اسم الجزء: 2)

البيان فيه وليس تكرر البيان واجبا في كل حال ومراتب الاستدلال بالسكوت تختلف فأقوى ما يكون منه إذا كان صاحب الحادثة جاهلا بأصل الحكم في الشئ ولم يكن من أهل الاستدلال كالأعرابى الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم [وقد أحرم وعليه الجبة فقال: "انزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة"] 1 وسكت عن الكفارة فدل ذلك أنها ساقطة عن الجاهل والناسى ولو كانت واجبة لذكره إذ لم يكن يجوز إهمال ذكرها قولا على معرفته بالحكم فيها مع العلم بمكانه في الجهالة والغباوة وذلك إن علم تحريم اللباس علم عام عند العرب في جاهليتها وابتلائها حتى أنهم كانوا لا يطوفون بالبيت إلا عراة ويخلفهم نساؤهم وكذلك نهى النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لا يطوف بالبيت عريان وأمر فنودى به" 2 فحين أمر النبى صلى الله عليه وسلم بنزع الجبة مع أن الحال هذا ولم يتعرض للكفارة علمنا أنها غير واجبة ومن هذا الباب وإن كان دونه في المرتبة خبر الأعرابي المجامع في شهر رمضان حين قال: هلكت وإنما جاء يعرف حكم الله تعالى فيما فعله ويتوهم أن يلزمه حد وضرب من ضروب العقوبات فلما قيل: له أعتق رقبة دل ظهره أنه جواب عن هلاكه وإهلاكه وهو إفطاره وإفطار زوجته وكانت أمراته إنما تصل إلى العلم بما يلزمه من جهته لغيبتها عن حضرة النبى صلى الله عليه وسلم وكان قوله: افعل كذا محمولا على أنه يجزئ عنها وعنه وإنما صارت دلالة هذا أضعف من دلالة الخبر الأول لأن السائل في هذا الخبر قد أنبأ عن علمه بأنه ارتكب معصية الا ترى أنه قال: هلكت وأهلكت وإذا كان المبتلى بالحادثة من أهل الاستدلال كان دليل الشك معه أوهى وأضعف وأما قول الشافعى رحمة الله عليه فيما يخرج من غير السبيلين ذكر الله الأحداث في كتابه ولم يذكر هذا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} فإن قوما من أصحابنا تعلقوا به وقالوا: إنما رده إلى أصل سكوت التكليف إلا بدليل وليس الأمر كذلك عند عامة أصحابنا وإنما وجهه ومعناه أن المتطهر على طهارته ولا ينتقض وضوءه إلا بحدث وما لم يقم دلالة على الحدث فأصل الطهر كاف فيه وقال صلى الله عليه وسلم: "فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا"3. ومن
__________
1 أخرجه البخاري: العمرة "3/718" ح "789" ومسلم: الحج "2/837" ح "9/1180" ولفظه لمسلم.
2 أخرجه البخاري: الصلاة "1/569" ح "369" ومسلم: الحج "2/982" ح "435/1347".
3 أخرجه البخاري: الوضوء "1/285-286" ومسلم: الحيض "1/276" ح "98/361".

الصفحة 65