كتاب قواطع الأدلة في الأصول (اسم الجزء: 2)

وإذا عرف هذا فنقدم أولا:
مسألة: بيان حسن التعبد بالقياس عقلا:
ولأنه لا مانع من حيث العقل ثم نذكر ورود التعبد من حيث السمع ونقدم شبههم في الفصلين.
احتج من قال: إن التعبد بالقياس يجوز من حيث العقل قال: لأن الشرعيات مصالح والمصالح لا تعلم إلا بالنصوص فأما بالأمارات المفيدة للظنون لا تعرف لأنها ربما أخطأت وربما أصابت ولا يجوز أن نتعبد الحكيم في المصالح بما يجوز أن يخطئ المصالح وأيضا فإن القياس فعلنا ولا يجوز أن نتوصل إلى المصالح بفعلنا.
ببينة: أنه لو جاز الحكم في الشرعيات بالظنون عن أمارات لجاز أن نخبر أن زيدا في الدار إذا دلت الأمارة على كونه فيها وحين لم نخبر دلت أن القول بالظن باطل قالوا: ولأن جلى الأحكام الشرعية لا يعرف إلا بالنصوص فلم يجز إثبات خفيها إلا بالنص أيضا لأن ما علم جليه بطريق فخفيه لا يعلم إلا بذلك الطريق كالمدركات لا نعلم جليها وخفيها إلا بإدراك قالوا: ولأنه لو كان للشرعيات علل لكانت كالعلل العقلية في استحالة انفكاكها من أحكامها في كل حال إلا ترى أن الحركة لما كانت علة تحرك الجسم استحال وجود الحركة وليس الجسم المتحرك وإذا لم ينفك من أحكامها كان في ذلك ثبوت الأحكام الشرعية قبل الشرع وقالوا ولأن العقل كالنص في أنه يدل على حكم الحادثة فكما لا يجوز أن يتعبدنا الله تعالى بالقياس المخالف للنص المعين لا يجوز أن يتعبدنا بالقياس المخالف حكم العقل وكل حادثة فلها حكم في العقل فإذا لا يجوز التعبد فيها بالقياس قالوا: ولأن القياس لو كان صحيحا لكان حجة مع النص كالخبر حجة مع الكتاب وحين لم يكن حجة مع النص دل أنه ليس بحجة أصلا قالوا: ولأن أحكام الشرع لو كانت معلومة وجب أن يكون جميعها معلولة كما كان جميعها حجة مشروعة ولما خرج بعضها من التعليل إجماعا دل أن كلها خارج لأن صنعه السمع في جميعها على السواء هذا بعض شبههم من حيث المعقول وسنبين ما يدعون من السمع

الصفحة 73