كتاب قواطع الأدلة في الأصول (اسم الجزء: 2)

بالرأى لأن المقصود من ذلك معرفة هلاك مثله بمثل ذنبه وتلك المعرفة إما بحس العين أو بحس الأذن وكان الاحتراز من مثل سببه من مصالح الدنيا وحل ذلك محل الاحتراز عن تناول ما يتلفه مما وقف على تلف مثله يتناوله ومثل الاحتراز عن سيف يقع عليه لعلمه بقطعته. فلم تكن معرفة هذه الأشياء من أحكام الشرع. قالوا: فالله تعالى قد أكرم الآدمى بالرأى لكن ليستدرك به مصالح عاجلة ليبقى إلى جنبه المضروب له بتدبيره وجعل طريق استدراكه للوقوف على نظير ما عمله سببا من خير أو سوء وكان الرأى حجة للآدمى في أمثال هذا. فأما الشريعة فما شرعت إلا الآخرة وتلك المصالح تثبت على خلاف مصالح الدنيا فلا يكون الرأي فيها حجة ولأنا متى لم نصل إلى تلك المصالح بحواسنا وهى طريق العلم لنا في الأصل لم نقف على نظائرها بالرأى يلزمنا وجوب التأمل في معانى النصوص لأن معانيها لغة من أمور الدنيا وهى مما يوقف عليها بحاسة السماع من أهلها ولم يكن هذا من الشريعة في شئ فإن قيل: فإنها كانت قبل الشرع وإنما أنكر استنباط المعنى الذي يتعلق به حكم الشرع فإنه من أمور الآخرة فثبوت الحكم على ما ثبت من حظر أو إباحة حق الله تعالى وليس هو من معانى اللسان في شيء. قالوا: فتحمل الآيات الوارده بالأمر بالتفكر والاعتبار على هذا القبيل وتحمل النصوص التي نهت عن العمل بالرأى وألزمت اتباع الوحى على أحكام الشرع وعلى هذا تحمل مشاورة النبى صلى الله عليه [وسلم] 1 أصحابه فإن الله تعالى أمره بها في تدبير الحرب وقد شاورهم فيها والوقوف على جهة الغلبة من مصالح الدنيا وما هو بحكم شرعى والنبى صلى الله عليه [وسلم] 2 ما شاور أحدأ في حكم من أحكام الشرع بحال. هذه الكلمات من الآية المذكورة كلمات ذكرها القاضى أبو زيد في كتابه حجة لهم. رجعنا إلى ما ذكرناه آية الأصوليين لبقاء القياس من الدلائل الشرعية في المنع منه وتعلقوا من الكتاب سوى ما ذكرناه بقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] ولم يقل إلى القياس فتضمنت الآية نفيه وقال سبحانه وتعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل: 116] والقياس مفترى وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً
__________
1 زيادة ليست في الأصل.
2 زيادة ليست في الأصل.

الصفحة 75