كتاب قواطع الأدلة في الأصول (اسم الجزء: 2)

ونحن نعلم أنهم يقولون عن نص فدل أنهم قالوا عن قياس وتتبع هذا يطول والأمر في هذا أشهر من أن يحتاج معه إلى إكثار على هذا المنهاج كان أمر التابعين في المحاجة والمقايسة ولم يصح عن أحد منهم في ذلك إنكار وخلاف وهو ميراث الأمة إلى زماننا فإن قالوا: يحتمل أنهم قالوا ما قالوا عن نص. ثم يقولون: تعلقتم فيما صرتم إليه بالإجماع وأنتم لا تنقلون فيه لفظا جامعا مانعا حتى يكون مرجوعكم إليه فيما تأتون وتدرون وتصححون وتبطلون والأقاصيص المتفرقة لا ضبط لها فكيف انضبط لكم ما يفسد منها؟ وما يصح ذكر هذا السؤال الشيخ أبو المعالى على هذا اللفظ وذكر أن هذا سؤال مشكل.
والجواب: أن دعوى النص محال لأنه لا يتصور من جهة العادات في عدد كبير يهتمون بنقل كلام من يعظمونه حتى ينقلوا ما لا يتعلق به حكم شرعى أن يعملوا إظهار ما اشتدت إليه الحاجة مما يتعلق به حكم شرعى ووقع فيه الاختلاف ويفارق هذا ترك نقل ما اجتمعوا عليه لأجله فإنه يجوز لأن الإجماع حجة وقد أغنى عن الخبر وليس كذلك إذا وقع الاختلاف ووقعت الحاجة إلى المحاجة بالنص فلا يتصور أن يكتموا الخبر إن كان هناك خبر.
وأما كلامهم الثاني: فقد حكم المورد له أنه سؤال كل ولا أدرى وجه الإشكال في هذا السؤال وهذه الآثار صرحت المصير إلى الرأى من الصحابة بالانضباط فيما اتفقوا عليه وقد دلت هذه الآثار أنهم قالوا ما قالوه عن الرأى فإن قالوا: لم يحك عنهم الاختلاف في الأقوال في هذه المسألة ولم ينقل عنهم تصريح بعلة. قلنا: قد ذكرنا ونقلنا محاجتهم بضرب الأمثلة وعلى أن التنبيه منهم على العلة والقياس قد وجد وتعين مسألة واحدة. فنقول في مسألة الحرام: من قال منهم: إنه طلاق ثلاث1. فقال: مطلق التحريم يقتضى غاية التحريم ومن جعله طلقة واحدة2 اعتبر أقل ما ثبت ومن جعله إيلاء اعتبر أن الزوج قد منع نفسه بهذا القول عن وطئها ومن جعله ظهارا3 أجراه مجرى ذلك من قبل تقييد التحريم بلفظ ليس بلفظ طلاق ولا إيلاء
__________
1 هذا قول: علي وزيد بن ثابت وابن عمر والحسن البصري والحكم بن مالك وابن أبي ليلى انظر الأشراف "1/152".
2 هو قول الزهري ورواية عن أحمد انظر المغنى "8/275" الأشراف "1/152".
3 هو قول ابن عباس وسعيد بن أجبير وأبي قلابة وأحمد انظر الأشراف "1/152".

الصفحة 90