كتاب قواطع الأدلة في الأصول (اسم الجزء: 2)

وإذا كان هذا الذى ذكرناه ممكنا ولم يكن ذكر نص ولأنهم قالوا بغير طريق وجب القطع على أنهم أرادوا ما ذكرناه أو ما يجرى مجراه وأيضا فإن الناس قد يقتصرون على الفتوى في كلامهم ويعلم السامع الوجه الدال على الفتوى من نفس الفتوى وقال بعضهم: إنهم قالوا في مسائل المواريث ما قالوه بالصلح أو بأقل ما يجب وهذا ليس بشئ لأن المنقول في مسألة المواريث إثبات الإرث ونفيه وتقديره في بعض المواضع فكيف يتصور الصلح على هذا؟ وقولهم: إنهم أوجبوا أقل ما قيل باطل لأنه لم يتقدم اختلافهم [في] 1 أقوال هم قالوا بأقلها ولا اتفوا على قول حتى يقال: إنه أقل ما قيل بل قالوا أقاويل متباينة بعضها يخالف البعض وثبت ها هنا عما نقلوه عن الصحابة والتابعين من ذم الرأى قلنا إنما قالوه في الرأى الفاسد الذي لا [تعلق] 2 له بأصل من الأصول أو قالوا ذلك في القياس قياس الذي بخلاف النص ألا ترى أن عليا رضى الله عنه قال حين قال: لو كان الدين بالرأى ولكنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر قدميه3 والدليل على أن المراد منهم بما قالوا أحد هذين الوجهين أنه ثبت عنهم القول بالقياس واعتبار الأشباه والأمثال على ما ذكرناه وعلى ما ذكرنا بأول قول التابعين. ألا ترى: أن ابن سيرين قال: أول من قاس إبليس4 وإنما أراد به القياس الفاسد دون الصحيح.
ببينة: أن إبليس كان قد اعترض بالقياس على النص وما كان من القياس كذلك فإنا لا نجوزه ولا نعمل به وكذلك قوله: ماعبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس يرد به المقاييس الفاسدة وقد ورد النهى الصريح في الكتاب عن السجود لها وذلك قوله عز وجل: {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الذي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] وكذلك الذي حكوه عن الشعبى إنما هو في القياس الخالى عن أداة الأصول وقد كان ظهر في آخر زمان التابعين قوم يقدمون الرأى على السنن فإنما أراد ذلك وكل ما نقل من أمثال هذا يكثر وقد حمل جميع ما نقل من ذم الرأى من الصحابة والتابعين على الرأي قبل طلب السنن وعندنا يجب طلب حكم الحادثة من
__________
1 زيادة ليست بالأصل.
2 في الأصل "يتعلق".
3 تقدم تخريجه.
4 تقدم تخريجه.

الصفحة 91