كتاب قواطع الأدلة في الأصول (اسم الجزء: 2)

الاعتبار الاتعاظ والانزجار وليس بمعنى القياس الذي يدعونه وقيل: إن الاعتبار لا يدل على معرفة الشئ بغيره إنما هو تبيين الشئ نفسه.
ببينة: أنه يقال للقائس معتبر لا لسانا ولا عادة وإنما الذي يعرف معنى المعتبر هو الاتعاظ والتفكر في نفس الشئ والجواب: أن وزن الاعتبار افتعال من العبرة والعبرة أصلها في اللغة المثال ومنها يقال: أخذ السلطان العشر على عبرة العام الماضي أى على مثاله ومن هذا تعبير الموازين والمكاييل إنما هو تمثيل بعضها ببعض وتسويتها على مثال واحد ومنه تعبير الرؤيا وهو تمثيلها بأمور تطابق معانيها معاني الرؤيا وقيل هو تعديتها ونقلها من ظواهرها إلى مواطن معانيها من قولك عبرت النهر أى صرت من أحد العبرين إلى الآخر والعبر الشاطئ فثبت بما قلناه أن الاعتبار هو إجزاء الشيء على مثال غيره وبطل بهذا ما زعموه أنه معرفة الشئ نفسه والتفكير فيه وأما حملهم على الاتعاظ والانزجار غاية الاعتبار فعلمنا أن معناهما مختلف وقد قال الشاعر في الاعتبار:
واعتبر الأرض بأسمائها ... واعتبر الصاحب بالصاحب
وظهر بهذا أن الاعتبار هو ما قدمناه من اعتبار الشئ بغيره وأجرى حكمه عليه فإن قيل: لو كان المراد ما ذكرتم من الأمر بالقياس لحسن التصريح به وهو أن يقول: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} [الحشر: 2] فقلبوا الأرز على البر وهذا التصريح يكون فاسدا عند كل عاقل فدل أنه ليس هو المراد. قالوا: وأما الاستنباط المذكور في القرآن فهو استخراج الشئ من كونه باطنا ليظهر فتحمله على الاستدلال بمعانى النصوص وقد يقال لمن استدل على الشيء بما يخفى في النصوص: قد يستنبط هذا الحكم من هذا النص.
والجواب: أما الأول: فإنما لا يجوز ما قالوه لأنه اقتصار على ما تعلق له بالكلام في ظاهره فلم يحسن لهذا لكن حسن مع هذا قوله: "فاعتبروا" لإن اشتمل على ما يتعلق بالكلام الأول وعلى ما لا يتعلق به. ألا ترى: أن النبى صلى الله عليه وسلم لو سئل عمن ابتلع حصاة في شهر رمضان لم يحسن أن يقول: من جامع فعليه الكفارة ويحسن أن يقول: من أفطر فعليه الكفارة وإذا قال ذلك دخل فيه من جامع ومن بلع الحصاة وقد اعترض على الآية. فقيل: إن قوله: "فاعتبروا" ليس على العموم لأنه لا يجب ما قلتموه في كل موضع وإذا لم يجب في كل موضع فنحن نقول: نوجب الاعتبار

الصفحة 93