كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 2)

في المعنى ولو استعمل في أَحَدُهُمَا فِي مَوْضِعِ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْحُسْنِ وَالْقَبُولِ عِنْدَ الذَّوْقِ مَا لِاسْتِعْمَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَوْضِعِهِ
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَقَامَاتِ فَانْظُرْ إِلَى مَقَامِ التَّرْغِيبِ وَإِلَى مقام الترهيب فمقام الترغيب كقوله تعالى: {يا عبادي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} نَجِدُهُ تَأْلِيفًا لِقُلُوبِ الْعِبَادِ وَتَرْغِيبًا لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ
قِيلَ: وَكَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّهُ أَسْلَمَ عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَنَفَرٌ مَعَهُمَا ثُمَّ فُتِنُوا وَعُذِّبُوا فَافْتَتَنُوا قَالَ: وَكُنَّا نَقُولُ: قَوْمٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صرفا ولا عدلا أبدا قوم أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عذبوا به فنزلت وكان عمر كاتبا فَكَتَبَ بِهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَيْهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ فَهِمَ قَصْدَ التَّرْغِيبِ فَآمَنُوا وَأَسْلَمُوا وَهَاجَرُوا وَلَا يَلْزَمُ دَلَالَتُهَا عَلَى مَغْفِرَةِ الْكُفْرِ لِكَوْنِهِ مِنَ الذُّنُوبِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى فَضْلِ التَّرْغِيبِ فِي الْإِسْلَامِ وَتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ لَهُ لِوُجُوهٍ:
مِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ: {يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} عَامٌّ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لا يغفر أن يشرك به} فَيَبْقَى مُعْتَبَرًا فِيمَا عَدَاهُ
وَمِنْهَا أَنَّ لَفْظَ الْعِبَادِ مُضَافًا إِلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ مَخْصُوصٌ بِالْمُؤْمِنِينَ قَالَ تَعَالَى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ}

الصفحة 119