كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 2)

وَهَكَذَا حُكْمُ جَمِيعِ قَضَائِهِ وَحُكْمُهُ عَلَى طُرُقِهِ الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُدْرِكُ الطَّالِبُ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ اجْتِهَادِهِ وَبَذْلِ وُسْعِهِ وَيَبْلُغُ مِنْهُ الرَّاغِبُ فِيهِ حَيْثُ بَلَّغَهُ رَبُّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِأَنَّهُ وَاهِبُ النِّعَمِ وَمُقَدِّرُ الْقِسَمِ
وَهَذَا الْبَيَانُ مِنَ الْعِلْمِ جَلِيلٌ وَحَظُّهُ مِنَ الْيَقِينِ جَزِيلٌ وَقَدْ نَبَّهَنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا الْمَطْلَبِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ خِطَابِهِ
مِنْهَا حِينَ ذَكَرَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ تَعَالَى لِأَوْلِيَائِهِ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ: "فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ" ثُمَّ قَالَ: "اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}
وَمِنْهَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلَا نَتَّكِلُ وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ فَقَالَ: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ" ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بخل واستغنى. وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسرى}
وَوَصَفَ الْجَنَّةَ فَقَالَ: "فِيهَا شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ وَلَا يَقْطَعُهَا" ثُمَّ قال: "اقرءوا إن شئتم: {وظل ممدود}
فَأَعْلَمَهُمْ مَوَاضِعَ حَدِيثِهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَنَبَّهَهُمْ عَلَى مِصْدَاقِ خِطَابِهِ مِنَ الْكِتَابِ لِيَسْتَخْرِجَ عُلَمَاءُ أُمَّتِهِ مَعَانِيَ حَدِيثِهِ طَلَبًا لِلْيَقِينِ وَلِتَسْتَبِينَ لَهُمُ السَّبِيلُ حِرْصًا مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى أَنْ يُزِيلَ عَنْهُمُ الِارْتِيَابَ وَأَنْ يَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ ثُمَّ بَدَأَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِحَدِيثِ: "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" وَقَالَ: مَوْضِعُهُ نَصًّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا ما نشاء لمن نريد} إلى قوله: {فأولئك كان سعيهم مشكورا}

الصفحة 130