كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 2)

ظَلُومٍ" وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَطِيَّةَ مِنْ أَيْدِينَا مُفْتَقِرَةٌ إِلَى مَنْ يَضَعُ فِيهَا حَقًّا وَجَبَ عَلَيْهَا وَيُطَهِّرُهَا بِذَلِكَ مِنْ ذُنُوبِهَا وَأَنْجَاسِهَا وَلَوْلَا الْيَدُ الْآخِذَةُ مَا قَدَرَ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَى صَدَقَةٍ
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهُهُ" فِي قَوْلِهِ تعالى: {وإلهكم إله واحد} إلى قوله: {لآيات لقوم يعقلون} وَقَوْلُهُ: {انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} وَقَوْلِهِ: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قوم لا يعقلون} وَوَصَفَ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ عَنِ الْمَخْلُوقَاتِ بِقَوْلِهِ: {لا تفقهون تسبيحهم} ثُمَّ أَعْلَمَ سُبْحَانَهُ سِعَةَ مَغْفِرَتِهِ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ الَّذِينَ لَا يُسَبِّحُونَهُ وَلَا يَفْقَهُونَ تَسْبِيحَ الْمُسَبِّحِينَ مِنْ خَلْقِهِ ثُمَّ أَعْلَمَ بِالْعِلَّةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا حُرِمُوا الْفِقْهَ عَنْ رَبِّهِمْ وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ خَتْمُ عُقُوبَةِ الْإِعْرَاضِ بِقَوْلِهِ: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا. وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أن يفقهوه} الْآيَةَ
وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقُرْآنُ كُلُّهُ لَمْ يُنْزِلْهُ تَعَالَى إِلَّا لِيُفَهِّمَهُ وَيُعْلَمَ وَيُفَهَّمَ وَلِذَلِكَ خَاطَبَ بِهِ أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ وَالَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ يفقهون والذين يتفكرون لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ
وَكَذَلِكَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الدُّنْيَا إِلَّا مِثَالًا لِلْآخِرَةِ فَمَنْ فَقِهَ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُرَادَهُ مِنْهَا فَقَدْ أَرَاحَ نَفْسَهُ وَأَجَمَّ فِكْرَهُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ
وَفِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْفِقْهِ أَفْنَى أُولُو الْأَلْبَابِ أَعْمَارَهُمْ وَفِي تَعْرِيفِهِ أَتْعَبُوا قُلُوبَهُمْ وَوَاصَلُوا أَفْكَارَهُمْ
رَزَقَنَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ نُورًا نَمْشِي بِهِ فِي الظُّلُمَاتِ وَفُرْقَانًا نُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الْمُتَشَابِهَاتِ

الصفحة 145