كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 2)

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا نَزَلْ مِنَ الْقُرْآنِ مِنْ آيَةٍ إِلَّا وَلَهَا ظَهْرٌ وبطن ولكن حَرْفٍ حَدٌّ وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ" فَمَا مَعْنَى ذَلِكَ؟
قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُهُ: "ظَهْرٌ وَبَطْنٌ" فَفِي تَأْوِيلِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا- وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ-: إِنَّكَ إِذَا بَحَثْتَ عَنْ بَاطِنِهَا وَقِسْتَهُ عَلَى ظاهرها وقفت على معناها
الثاني- قول أبي عبيدة-: إِنَّ الْقَصَصَ ظَاهِرَهَا الْإِخْبَارُ بِهَلَاكِ الْأَوَّلِينَ وَبَاطِنُهَا عِظَةٌ لِلْآخَرِينَ
الثَّالِثُ - قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: إِنَّهُ مَا مِنْ آيَةٍ إِلَّا عَمِلَ بِهَا قَوْمٌ وَلَهَا قَوْمٌ سَيَعْمَلُونَ بِهَا
الرَّابِعُ - قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ-: إِنَّ ظَاهِرَهَا لَفْظُهَا وباطنها تأويلها
وقول أبي عبيدة أَقْرَبُهَا
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "وَلِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ" فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا: لِكُلِّ حَرْفٍ مُنْتَهًى فِيمَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْ مَعْنَاهُ الثَّانِي: مَعْنَاهُ أَنَّ لِكُلِّ حُكْمٍ مِقْدَارًا مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ" فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لِكُلِّ غَامِضٍ مِنَ الْمَعَانِي وَالْأَحْكَامِ مَطْلَعٌ يُتَوَصَّلُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ وَيُوقَفُ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ
وَالثَّانِي: لِكُلِّ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ مُطْلَعٌ يُطَّلَعُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ وَيَرَاهُ عِنْدَ الْمُجَازَاةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ مَا لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ وَذَلِكَ آجَالٌ حَادِثَةٌ فِي أَوْقَاتٍ آتِيَةٍ كَوَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ وَالنَّفْخِ فِي الصور ونزول عيسى بن مَرْيَمَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ

الصفحة 169