كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 2)

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاة} وَجَرَى أَبُو يُوسُفَ عَلَى الظَّاهِرِ فَقَالَ: إِنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ {فِيهِمْ} عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ بَلْ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ حَالٍ وَالْأَصْلُ فِي الْخِطَابِ أَنْ يَكُونَ لِمُعَيَّنٍ
وَقَدْ يَخْرُجُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ لِيُفِيدَ الْعُمُومَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لهم جنات} وَفَائِدَتُهُ الْإِيذَانُ بِأَنَّهُ خَلِيقٌ بِأَنْ يُؤْمَرَ بِهِ كُلُّ أَحَدٍ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُهُ الْجَمِيلُ
وَكَقَوْلِهِ: {وَلَوْ ترى إذ فزعوا فلا فوت} أُخْرِجَ فِي صُورَةِ الْخِطَابِ لَمَّا أُرِيدَ الْعُمُومُ للقصد إلى تقطيع حَالِهِمْ وَأَنَّهَا تَنَاهَتْ فِي الظُّهُورِ حَتَّى امْتَنَعَ خفاؤها فلا تخص بِهَا رُؤْيَةَ رَاءٍ بَلْ كُلَّ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ الرُّؤْيَةُ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْخِطَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كبيرا} لَمْ يُرَدْ بِهِ مُخَاطَبٌ مُعَيَّنٌ بَلْ عُبِّرَ بِالْخِطَابِ لِيَحْصُلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِيهِ مَدْخَلٌ مُبَالَغَةً فِيمَا قَصَدَ اللَّهُ مِنْ وَصْفِ مَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنَ النَّعِيمِ وَالْمُلْكِ وَلِبِنَاءِ الْكَلَامِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى الْعُمُومِ لَمْ يَجْعَلْ لِـ: "تَرَى" وَلَا لِـ: "رَأَيْتَ" مَفْعُولًا ظَاهِرًا وَلَا مُقَدَّرًا لِيَشِيعَ وَيَعُمَّ
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم} فَقِيلَ: إِنَّهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَمَنَعَهُ قَوْمٌ وَقَالَ: الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ لِلتَّمَنِّي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كالترجي في {لعلهم يهتدون} لِأَنَّهُ تَجَرَّعَ مِنْ

الصفحة 219