كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 2)

فائدة في العموم والخصوص
قَدْ يَكُونُ الْكَلَامَانِ مُتَّصِلَيْنِ وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا خَاصًّا وَالْآخَرُ عَامًّا وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِمْ لِمَنْ أَعْطَى زَيْدًا دِرْهَمًا: أَعْطِ عَمْرًا فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا أَعْطَيْتَ يُرِيدُ إِنْ لَمْ تُعْطِ عَمْرًا فَأَنْتَ لَمْ تُعْطِ زَيْدًا أَيْضًا وَذَاكَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَكَ
ذَكَرَهُ ابْنُ فَارِسٍ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ من ربك} قَالَ: فَهَذَا خَاصٌّ بِهِ يُرِيدُ هَذَا الْأَمْرَ المحدد بلغه {وإن لم تفعل} ولم تبلغ هذا {فما بلغت رسالته} يُرِيدُ جَمِيعَ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ
قُلْتُ: وَهُوَ وَجْهٌ حَسَنٌ وَفِي الْآيَةِ وُجُوهٌ أُخَرُ
أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّكَ إِنْ تَرَكَتْ مِنْهَا شَيْئًا كُنْتَ كَمَنْ لَا يُبَلِّغُ شَيْئًا مِنْهَا فَيَكُونُ تَرْكُ الْبَعْضِ مُحْبِطًا لِلْبَاقِي قَالَ الرَّاغِبُ: وَكَذَلِكَ أن حكم الأنبياء عليهم السلام فِي تَكْلِيفَاتِهِمْ أَشَدُّ وَلَيْسَ حُكْمُهُمْ كَحُكْمِ سَائِرِ النَّاسِ الَّذِينَ يُتَجَاوَزُ عَنْهُمْ إِذَا خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
وَالثَّانِي: قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: إِنَّهُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ:
*أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي*
مَعْنَاهُ: أَنَّ شِعْرِي قَدْ بَلَغَ فِي الْمَتَانَةِ وَالْفَصَاحَةِ إِلَى حَدِّ شَيْءٍ قِيلَ فِي نَظْمٍ إِنَّهُ شِعْرِي فقد

الصفحة 224