كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 2)

انْتَهَى مَدْحُهُ إِلَى الْغَايَةِ فَيُفِيدُ تَكْرِيرَ الْمُبَالَغَةِ التَّامَّةِ فِي الْمَدْحِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَكَذَا جواب الشرط ها هنا يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُوصَفَ تَرْكُ بَعْضِ الْمُبَلَّغَ تَهْدِيدًا أَعْظَمَ مِنْ أَنَّهُ تَرَكَ التَّبْلِيغَ فَكَانَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى غَايَةِ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وَضُعِّفَ الْوَجْهُ الَّذِي قَبْلَهُ بِأَنَّ مَنْ أَتَى بِالْبَعْضِ وَتَرَكَ الْبَعْضَ لَوْ قِيلَ: إِنَّهُ تَرَكَ الْكُلَّ كَانَ كَذِبًا وَلَوْ قِيلَ إِنَّ الْخَلَلَ فِي تَرْكِ الْبَعْضِ كَالْخَلَلِ فِي تَرْكِ الْكُلِّ فَإِنَّهُ أَيْضًا مُحَالٌ
وَفِي هَذَا التَّضْعِيفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَتَى أُتِيَ بِهِ غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِهِ فوجده كَالْعَدَمِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
سُئِلْتَ فَلَمْ تَمْنَعْ وَلَمْ تُعْطِ نَائِلًا
فَسِيَّانِ لَا ذَمٌّ عَلَيْكَ وَلَا حَمْدُ
أَيْ: وَلَمْ تُعْطِ مَا يُعَدُّ نَائِلًا وَإِلَّا يَتَكَاذَبُ الْبَيْتُ
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لِتَعْظِيمِ حُرْمَةِ كِتْمَانِ الْبَعْضِ جَعَلَهُ كَكِتْمَانِ الْكُلِّ كَمَا فِي قوله تعالى: {فكأنما قتل الناس جميعا}
الرَّابِعُ: أَنَّهُ وَضَعَ السَّبَبَ مَوْضِعَ الْمُسَبِّبِ وَمَعْنَاهُ: إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَكَ مَا يُوجِبُهُ كِتْمَانُ الْوَحْيِ كُلِّهِ مِنَ الْعَذَابِ
ذَكَرَ هَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ

الصفحة 225