كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 2)

لِأَهْلِ مَكَّةَ وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَأْتِي بَعْدَ {يا أيها الناس} الأمر بأصل الإيمان ويأتي بعد {يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا} الْأَمْرُ بِتَفَاصِيلِ الشَّرِيعَةِ وَإِنْ جَاءَ بَعْدَهَا الْأَمْرُ بِالْإِيمَانِ كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَمْرِ بِالِاسْتِصْحَابِ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أيها المؤمنون} قِيلَ: يَرِدُ الْخِطَابُ بِذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَظَاهَرُونَ بِالْإِيمَانِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تؤمن قلوبهم}
وَقَدْ جَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُجَادِلَةِ في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول} أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ آمَنُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَأَنْ يَكُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ الْخِطَابُ بـ {يا أيها النبي} {يا أيها الرسول} وَلِهَذَا تَجِدُ الْخِطَابَ بِالنَّبِيِّ فِي مَحَلٍّ لَا يَلِيقُ بِهِ الرَّسُولُ وَكَذَا عَكْسَهُ كَقَوْلِهِ فِي مقام الأمر بالتشريع العام: {يا أيها الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} وفي مقام الخاص: {يا أيها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} ومثله: {إن إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ من دون المؤمنين}
وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورسوله} فِي مَقَامِ الْإِقْتِدَاءِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ: {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} فَكَأَنَّهُ جَمَعَ لَهُ الْمَقَامَيْنِ مَعْنَى النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ تَعْدِيدًا لِلنِّعَمِ فِي الْحَالَيْنِ

الصفحة 229