كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 2)
ثُمَّ طَرَأَ التَّوَقُّفُ وَفِي التَّأْخِيرِ بُنِيَ الْكَلَامُ مِنْ أَوَّلِهِ عَلَى الشَّرْطِ كَذَا قَالَهُ ابْنُ السَّرَّاجِ وَتَابَعَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ وَنُوزِعَا فِي ذَلِكَ بَلْ مَعَ التَّقْدِيمِ الْكَلَامُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشَّرْطِ كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا دِرْهَمًا فَإِنَّهُ لَمْ يُقِرْ بِالْعَشَرَةِ ثُمَّ أَنْكَرَ مِنْهَا دِرْهَمًا وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَنْفَعْهُ الِاسْتِثْنَاءُ ثُمَّ زَعَمَ ابْنُ السَّرَّاجِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقَعُ إِلَّا فِي الضَّرُورَةِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِوُقُوعِهِ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إن كنتم إياه تعبدون}
التَّاسِعَةُ: إِذَا دَخَلَ عَلَى أَدَاةِ الشَّرْطِ وَاوُ الْحَالِ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى جَوَابٍ نَحْوُ: أَحْسِنْ إِلَى زَيْدٍ وَإِنْ كَفَرَكَ وَاشْكُرْهُ وَإِنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ أَيْ أَحْسِنْ إِلَيْهِ كَافِرًا لَكَ وَاشْكُرْهُ مُسِيئًا إِلَيْكَ
فَإِنْ أُجِيبَ الشَّرْطُ كَانَتِ الْوَاوُ عَاطِفَةً لَا لِلْحَالِ نَحْوُ: أَحْسِنْ إِلَيْهِ وَإِنْ كَفَرَكَ فَلَا تَدَعُ الْإِحْسَانَ إِلَيْهِ وَاشْكُرْهُ وَإِنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ فَأَقِمْ عَلَى شُكْرِهِ وَلَوْ كَانَتِ الْوَاوُ هُنَا لِلْحَالِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ جَوَابٌ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَالَ فَضْلَةٌ وَأَصْلُ وَضْعِ الْفَضْلَةِ أَنْ تَكُونَ مُفْرَدًا كَالظَّرْفِ وَالْمَصْدَرِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ فَلَمَّا كَانَ كذلك لم يجب الشرط إذا وقع مَوْقِعِ الْحَالِ لِأَنَّهُ لَوْ أُجِيبَ لَصَارَ جُمْلَةً وَالْحَالُ إِنَّمَا هِيَ فَضْلَةٌ فَالْمُفْرِدُ أَوْلَى بِهَا مِنَ الْجُمْلَةِ وَالشَّرْطُ وَإِنْ كَانَ جُمْلَةً فَإِنَّهُ يَجْرِي عِنْدَهُمْ مَجْرَى الْآحَادِ مِنْ حَيْثُ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى جَوَابِهِ احْتِيَاجَ الْمُبْتَدَأِ إِلَى الْخَبَرِ
الصفحة 367