كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 2)

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُحْمَلُ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الشِّعْرِ؟
قِيلَ: إِنَّا وَجَدْنَا فِي القرآن أشياء جاءت على الأصول المرفوضة كاستحوذ وَنَظَائِرِهَا
الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا فَعَبَّرَ بِالْأَدْنَى عَنْهُ وَعَمَّا فَوْقَهُ قَالَهُ ابْنُ الضَّائِعِ النَّحْوِيُّ
قُلْتُ: وَنَظَائِرُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فإن لم يكونا رجلين} فَإِنَّ الرُّجُولِيَّةَ الْمُثَنَّاةَ فُهِمَتْ مِنَ الضَّمِيرِ بِدَلِيلِ: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} فَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: {رَجُلَيْنِ} حَالٌ لَا خَبَرٌ فَكَأَنَّ الْمَعْنَى: فَإِنْ لَمْ يُوجَدَا حَالَ كَوْنِهِمَا رَجُلَيْنِ
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} فَإِنَّ الْأُنُوثَةَ فُهِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ: {وَضَعْتُهَا}
وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمُ السُّؤَالَ فِي الْأَوَّلِ فَقَالَ: الضَّمِيرُ فِي {يَكُونَا} لِلرَّجُلَيْنِ لِأَنَّ "الشَّهِيدَيْنِ" قُيِّدَا بِأَنَّهُمَا مِنَ الرِّجَالِ فَكَأَنَّ الْكَلَامَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الرَّجُلَانِ رَجُلَيْنِ وَهَذَا مُحَالٌ
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِمَا أَجَابَ بِهِ الْأَخْفَشُ فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ: إِنَّ الْخَبَرَ هُنَا أَفَادَ الْعَدَدَ الْمُجَرَّدَ عَنِ الصِّفَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ إِذْ وَضَعَ فِيهِ "الرَّجُلَيْنِ" مَوْضِعَ الِاثْنَيْنِ وَهُوَ تَجَوُّزٌ بَعِيدٌ وَالَّذِي ذَكَرَهُ الْفَارِسِيُّ الْمُجَرَّدُ مِنْهُمَا الرُّجُولِيَّةُ أَوِ الْأُنُوثِيَّةُ أَوْ غَيْرُهَا مِنَ الصِّفَاتِ فَكَيْفَ يَكُونُ لَفْظٌ مَوْضُوعٌ لِصِفَةٍ مَا دَالًّا عَلَى نَفْيِهَا!

الصفحة 439