كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 2)
الْمُسْتَقِيمِ فَإِنَّ مَجِيءَ الْخَاصِّ وَالْأَخَصِّ بَعْدَ الْعَامِّ وَالْأَعَمِّ كَثِيرٌ وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ الْحَذَّاقُ فِي قوله تعالى: {ما يلفظ من قول} إِنَّهُ لَوْ عُكِسَ فَقِيلَ " مَا يَقُولُ مِنْ لَفْظٍ " لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْقَوْلَ أَخَصُّ مِنَ اللَّفْظِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْمُسْتَعْمَلِ وَاللَّفْظُ يَشْمَلُ الْمُهْمَلَ الَّذِي لَا مَعْنَى لَهُ
وَقَدْ يَجِيءُ لِلِاشْتِمَالِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَدَلِ الْبَعْضِ أَنَّ الْبَدَلَ فِي الْبَعْضِ جَرَّ فِي الِاشْتِمَالِ وَصْفًا كَقَوْلِهِ: {وَمَا أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} فَإِنَّ أَذْكُرَهُ بِمَعْنَى " ذِكْرَهُ " وَهُوَ بَدَلٌ مِنَ الْهَاءِ فِي {أَنْسَانِيهِ} الْعَائِدَةُ إِلَى الْحُوتِ وَتَقْدِيرُهُ: " وَمَا أَنْسَانِي ذِكْرَهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ "
وَقَوْلِهِ: {يَسْأَلُونَكَ عن الشهر الحرام قتال فيه} فَـ {قِتَالٍ} بَدَلٌ مِنَ "الشَّهْرِ " بَدَلَ الِاشْتِمَالِ لِأَنَّ الشَّهْرَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْقِتَالِ وَعَلَى غَيْرِهِ كَمَا كَانَ زَيْدٌ يَشْتَمِلُ عَلَى الْعَقْلِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مُؤَكِّدٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْأَلُوا عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَهُ وَإِنَّمَا سَأَلُوا عَنِ الْقِتَالِ فِيهِ فَجَاءَ بِهِ تَأْكِيدًا
وَقَوْلِهِ: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود. النار} فَالنَّارُ بَدَلٌ مِنَ " الْأُخْدُودِ " بَدَلَ اشْتِمَالٍ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّارِ وَغَيْرِهَا وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ " الْمُوقَدَةُ فِيهِ"
وَمِنْ بَدَلِ الْبَعْضِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إليه سبيلا} فَالْمُسْتَطِيعُونَ بَعْضُ النَّاسِ لَا كُلُّهُمْ
وَقَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ: بَلْ هَذِهِ بَدَلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّفِ الْحَجَّ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُهُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالنَّاسِ بَعْضَهُمْ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جمعوا
الصفحة 457