كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 2)

وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رمى} رمى أي ما رميت خلقا إذ رَمَيْتَ كَسْبًا وَقِيلَ إِنَّ الرَّمْيَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْقَبْضِ وَالْإِرْسَالِ وَهُمَا بِكَسْبِ الرَّامِي وَعَلَى التَّبْلِيغِ وَالْإِصَابَةِ وَهُمَا بِفِعْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: وَهِيَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَالِقٌ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَهُ إِلَى نَبِيِّهِ ثُمَّ نَفَاهُ عَنْهُ وَذَلِكَ فِعْلٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى التَّوْصِيلُ إِلَيْهِمْ وَمِنْ نَبِيِّهِ بِالْحَذْفِ وَالْإِرْسَالِ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَزِمَ مِثْلُهُ فِي سَائِرِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ الْمُكْتَسَبَةِ فَمِنَ اللَّهِ تَعَالَى الْإِنْشَاءُ وَالْإِيجَادُ وَمِنَ الْخَلْقِ الِاكْتِسَابُ بِالْقُوَى
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قوامون على النساء} وقال تعالى: {وقوموا لله قانتين} فَقِيَامُ الِانْتِصَابِ لَا يُنَافِي الْقِيَامَ بِالْأَمْرِ لِاخْتِلَافِ جِهَتَيِ الْفِعْلِ
الرَّابِعُ: لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كقوله: {وترى وترى الناس سكارى وما هم بسكارى} {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بميت} وَهُوَ يَرْجِعُ لِقَوْلِ الْمَنَاطِقَةِ الِاخْتِلَافُ بِالْإِضَافَةِ أَيْ وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ مَجَازًا وَمَا هُمْ بِسُكَارَى بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْخَمْرِ حَقِيقَةً
وَمِثْلُهُ فِي الِاعْتِبَارَيْنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} وَقَوْلُهُ: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يسمعون} وقوله تعالى:

الصفحة 60