كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 2)

النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى} إِلَّا اسْتِغْرَابُ بَعْثِهِ بَشَرًا رَسُولًا لِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَيْسَ مانعا من الإيمان لأنه لا يَصْلُحُ لِذَلِكَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِغْرَابِ بِالِالْتِزَامِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْمَانِعِيَّةِ وَاسْتِغْرَابُهُمْ لَيْسَ مَانِعًا حَقِيقِيًّا بَلْ عَادِيًّا لِجَوَازِ خُلُوِّ الْإِيمَانِ مَعَهُ بِخِلَافِ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا حَصْرٌ فِي الْمَانِعِ الْعَادِيِّ وَالْأُولَى حَصْرٌ فِي الْمَانِعِ الْحَقِيقِيِّ فَلَا تَنَافِيَ انْتَهَى
وَقَوْلُهُ" لَيْسَ مَانِعًا مِنَ الْإِيمَانِ" فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ إِنْكَارَهُمْ بَعْثَهُ بَشَرًا رَسُولًا كُفْرٌ مَانِعٌ مِنَ الْإِيمَانِ وَفِيهِ تَعْظِيمٌ لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّ إِنْكَارَهُمْ بعثته مانع من الإيمان
فصل في وقوع التعارض بين الآية والحديث
وَقَدْ يَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ شَيْءٍ لِلتَّنْبِيهِ لِأَمْثَالِهِ فَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى والله يعصمك من الناس وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ شُجَّ يَوْمَ أُحُدٍ وَأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّ غَزْوَةَ أُحُدٍ كَانَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَسُورَةَ الْمَائِدَةِ مِنْ أَوَاخِرِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ
وَالثَّانِي: بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِ الْأَخِيرِ فَالْمُرَادُ الْعِصْمَةُ مِنَ الْقَتْلِ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَمِلَ كُلَّ مَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ فَمَا أَشَدَّ تكليف الأنبياء

الصفحة 66