كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 2)

وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ مُعْجِزٌ وَاخْتَلَفُوا فِي إِعْجَازِهِ فَقِيلَ إِنَّ التَّحَدِّيَ وَقَعَ بِالْكَلَامِ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الذَّاتِ وإن العرب كلفت في ذلك مالا تُطِيقُ وَفِيهِ وَقَعَ عَجْزُهَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ أَنَّهُ إِنَّمَا وَقَعَ بِالدَّالِّ عَلَى الْقَدِيمِ وَهُوَ الْأَلْفَاظُ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّحَدِّي بِشَيْءٍ مَعَ جَهْلِ الْمُخَاطَبِ بِالْجِهَةِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا التَّحَدِّي وَلَا يَتَّجِهُ قَوْلُ الْقَائِلِ لِمِثْلِهِ إِنْ صَنَعْتَ خَاتَمًا كُنْتَ قَادِرًا عَلَى أَنْ تَصْنَعَ مِثْلَهُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنَ الْجِهَةِ الَّتِي تَدَّعِي عَجْزَ الْمُخَاطَبِ عَنْهَا فَنَقُولُ الْإِعْجَازُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ إِمَّا أَنْ يَعْنِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَاتِهِ أَوْ إِلَى عَوَارِضِهِ مِنَ الْحَرَكَاتِ وَالتَّأْلِيفِ أَوْ إِلَى مَدْلُولِهِ أَوْ إِلَى الْمَجْمُوعِ أَوْ إِلَى أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ ذَلِكَ لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ الْإِعْجَازُ حَصَلَ مِنْ جِهَةِ ذَوَاتِ الْكَلِمِ الْمُفْرَدَةِ فَقَطْ لِأَنَّ الْعَرَبَ قَاطِبَةً كَانُوا يَأْتُونَ بِهَا وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ الْإِعْجَازُ وَقَعَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَوَارِضِ مِنَ الْحَرَكَاتِ وَالتَّأَلُّفِ فَقَطْ لِأَنَّهُ يُحْوِجُ إِلَى مَا تَعَاطَاهُ مُسَيْلِمَةُ مِنَ الْحَمَاقَةِ: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْجَوَاهِرْ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَهَاجِرْ إِنَّ شَانِئَكَ هو الكافر ولو كان الإعجاز راجعا في الْإِعْرَابِ وَالتَّأْلِيفِ الْمُجَرَّدِ لَمْ يَعْجِزْ صَغِيرُهُمْ عَنْ تَأْلِيفِ أَلْفَاظٍ مُعْرَبَةٍ فَضْلًا عَنْ كَبِيرِهِمْ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَقَعَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعَانِي فَقَطْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ صَنِيعِ الْبَشَرِ وَلَيْسَ لَهُمْ قُدْرَةٌ عَلَى إِظْهَارِهَا مِنْ غَيْرِ مَا يَدُلُّ عليها وَلَا جَائِزَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الْمَجْمُوعِ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا بُطْلَانَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْإِعْجَازُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ غَيْرِ ذلك
بيان الأقوال المختلفة في وجوه الإعجاز
وقد اختلف فيه على أقوال
أحدهما- وَهُوَ قَوْلُ النَّظَّامِ-: إِنَّ اللَّهَ صَرَفَ الْعَرَبَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ وَسَلَبَ عُقُولَهُمْ وَكَانَ

الصفحة 93