كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 2)

وافتتحوا أمصارها وأعجبتهم الْبِلَاد فَكَتَبُوا لإخوانهم الَّذين بقوا شَرْقي النّيل يرغبونهم فِي الْبِلَاد فأجازوا إِلَيْهِم بعد أَن أعْطوا للمستنصر لكل رَأس دينارين فَأخذ مِنْهُم أَضْعَاف مَا أَخَذُوهُ وتقارعوا على الْبِلَاد فَحصل لبني سليم شرقها ولبني هِلَال غربها ثمَّ انتشروا فِي أقطار أفريقية مثل الْجَرَاد لَا يؤمرون بِشَيْء إِلَّا أَتَوا عَلَيْهِ
وَبِالْجُمْلَةِ فَلم تمر إِلَّا مُدَّة يسيرَة حَتَّى استولوا على ضواحي إفريقية ونازلوا أمصارها واقتضوا من أَهلهَا الإتاوة وحضروا ابْن باديس فِي مصره وصاهرهم ببناته تأليفا لَهُم وَمَعَ ذَلِك فَلم يجد شَيْئا والْحَدِيث فِي ذَلِك طَوِيل وَلَيْسَ تتبعه من غرضنا
قَالَ ابْن خلدون ولهؤلاء الهلاليين فِي الْحِكَايَة عَن دُخُولهمْ إِلَى إفريقية طرق يَزْعمُونَ أَن الشريف ابْن هَاشم كَانَ صَاحب الْحجاز وَمَكَّة ويسمونه شكر بن أبي الْفتُوح وَأَنه أصهر إِلَى الْحسن بن سرحان فِي أُخْته جازية فأنكحه إِيَّاهَا وَولدت مِنْهُ ولدا واسْمه مُحَمَّد وَإنَّهُ حدث بَينهم وَبَين الشريف الْمَذْكُور مغاضبة وفتنة فَأَجْمعُوا الرحلة عَن أَرض نجد إِلَى إفريقية وتحيلوا عَلَيْهِ فِي استرجاع أختهم جازية الْمَذْكُورَة فطالبته بزيارة أَبَوَيْهَا فأزارها إيَّاهُم وَخرج بهَا إِلَى حللهم وَأقَام مَعهَا مُدَّة الزِّيَارَة فارتحلوا بِهِ وَبهَا وكتموا رحلتهم عَنهُ وموهوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُم يباكرون بِهِ للصَّيْد والقنص وَيَرُوحُونَ بِهِ إِلَى بُيُوتهم بعد بنائها فَلم يشْعر بالرحلة إِلَى أَن فَارق مَوضِع ملكه وَصَارَ حَيْثُ لَا يملك أمرهَا عَلَيْهِم ففارقوه وَرجع إِلَى مَكَانَهُ من مَكَّة وَبَين جوانحه من حبها دَاء دخيل وَأَنَّهَا من بعد ذَلِك كلفت بِهِ مثل مَا كلف بهَا الى ان مَاتَت من حبه ويتناقلون من أَخْبَارهَا فِي ذَلِك مَا يعفي على خبر قيس وليلى ويروون كثيرا من أشعارها محكمَة المباني مثقفة الْأَطْرَاف وفيهَا المطبوع والمنتحل والمصنوع لم يفقد فِيهَا من البلاغة شَيْء وَإِنَّمَا فقد مِنْهَا الْإِعْرَاب فَقَط وَلَا مدْخل لَهُ فِي البلاغة
وَفِي هَذِه الْأَشْعَار شَيْء كثير دَخلته الصَّنْعَة وفقدت فِيهِ صِحَة الرِّوَايَة

الصفحة 166