كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 2)

على تَقْدِيمه فَقَامَ بِالْأَمر أحسن قيام وَرفع راية الْجِهَاد وَنصب ميزَان الْعدْل وَبسط أَحْكَام النَّاس على حَقِيقَة الشَّرْع وَنظر فِي أُمُور الدّين والورع وَأقَام الْحُدُود حَتَّى فِي أَهله وعشيرته الْأَقْرَبين كَمَا أَقَامَهَا فِي سَائِر النَّاس أَجْمَعِينَ فاستقامت الْأَحْوَال فِي أَيَّامه وعظمت الفتوحات وَكَانَ قد أَمر لأوّل دولته بِقِرَاءَة الْبَسْمَلَة فِي أول الْفَاتِحَة فِي الصَّلَوَات وَأرْسل بذلك إِلَى سَائِر بِلَاد الْإِسْلَام الَّتِي فِي ملكه فَأجَاب قوم وَامْتنع آخَرُونَ وَكَانَ ملكا جوادا عادلا متمسكا بِالشَّرْعِ المطهر يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر كَمَا يَنْبَغِي من غير مُحَابَاة وَيُصلي بِالنَّاسِ الصَّلَوَات الْخمس ويلبس الصُّوف وَيقف للْمَرْأَة والضعيف وَيَأْخُذ لَهُم بِالْحَقِّ
قَالَ ابْن خلكان وَسمعت عَنهُ حِكَايَة يَلِيق أَن نذكرها هُنَا وَهِي أَن الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن عَاشر أبي حَفْص كَانَ قد تزوج أُخْت يَعْقُوب الْمَنْصُور فأقامت عِنْده ثمَّ جرت بَينهمَا منافرة فَجَاءَت إِلَى بَيت أَخِيهَا يَعْقُوب الْمَنْصُور فسير الشَّيْخ عبد الْوَاحِد فِي طلبَهَا فامتنعت عَلَيْهِ فَشكى الشَّيْخ عبد الْوَاحِد ذَلِك إِلَى قَاضِي الْجَمَاعَة بمراكش وَهُوَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن مَرْوَان فَاجْتمع القَاضِي الْمَذْكُور بأمير الْمُؤمنِينَ يَعْقُوب الْمَنْصُور وَقَالَ لَهُ إِن الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد عبد الْوَاحِد يطْلب أَهله فَسكت عَنهُ الْمَنْصُور وَمَضَت أَيَّام ثمَّ إِن الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد اجْتمع بِالْقَاضِي الْمَذْكُور فِي قصر الْمَنْصُور بمراكش وَقَالَ لَهُ أَنْت قَاضِي الْمُسلمين وَقد طلبت أَهلِي فَمَا جاؤوني فَاجْتمع القَاضِي بالمنصور وَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الشَّيْخ عبد الْوَاحِد قد طلب أَهله مرّة وَهَذِه الثَّانِيَة فَسكت الْمَنْصُور ثمَّ بعد ذَلِك بِمدَّة لَقِي الشَّيْخ عبد الْوَاحِد القَاضِي بِالْقصرِ الْمَذْكُور فَقَالَ لَهُ يَا قَاضِي الْمُسلمين قد قلت لَك مرَّتَيْنِ وَهَذِه الثَّالِثَة أَنا أطلب أَهلِي وَقد مَنَعُونِي مِنْهُم فَاجْتمع القَاضِي بالمنصور وَقَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا إِن الشَّيْخ عبد الْوَاحِد قد تكَرر طلبه لأَهله فَأَما أَن تسير إِلَيْهِ أَهله وَإِمَّا أَن تعزلني عَن الْقَضَاء فَسكت

الصفحة 199