كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 2)

بمراكش من تَغْيِير الْمُنكر وَنَحْوه مَا تقدم ذكره فاتصل خَبره بعلي بن يُوسُف اللمتوني فَأحْضرهُ وَقَالَ لَهُ مَا هَذَا الَّذِي بلغنَا عَنْك فَقَالَ إِنَّمَا أَنا رجل فَقير أطلب الْآخِرَة وآمر بِالْمَعْرُوفِ وأنهى عَن الْمُنكر وَأَنت أَيهَا الْملك أولى من يفعل ذَلِك فَإنَّك المسؤول عَنهُ وَقد ظَهرت بمملكتك الْمُنْكَرَات وفشت الْبدع وَقد وَجب الله عَلَيْك إحْيَاء السّنة وإماتة الْبِدْعَة وَقد عَابَ الله تَعَالَى أمة تركُوا النَّهْي عَن الْمُنكر فَقَالَ {كَانُوا لَا يتناهون عَن مُنكر فَعَلُوهُ لبئس مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} فَلَمَّا سمع أَمِير الْمُسلمين كَلَامه تأثر لَهُ وَأَخذه وأطرق مفكرا ثمَّ أَمر بإحضار الْفُقَهَاء فَحَضَرَ مِنْهُم مَا أغص الْمجْلس ثمَّ قَالَ أَمِير الْمُسلمين اختبروا الرجل فَإِن كَانَ عَالما اتبعناه وَإِلَّا أدبناه وَكَانَ الْمهْدي فصيحا لسنا ذَا معرفَة بالأصول والجدل وَكَانَ الْفُقَهَاء الَّذين حَضَرُوا أَصْحَاب حَدِيث وفروع فدارت بَينهم محاورة ومذاكرة أسكتهم فِيهَا وَبَان عجزهم عَنهُ فعدلوا عَن المذاكرة إِلَّا الممالأة وَأغْروا بِهِ أَمِير الْمُسلمين وَقَالُوا هَذَا رجل خارجي وَإِن بقى بِالْمَدِينَةِ أفسد عقائد أَهلهَا فَأمره أَمِير الْمُسلمين بِالْخرُوجِ من الْبَلَد فَخرج إِلَى الْجَبانَة وَضرب بهَا خيمة جلس فِيهَا وَصَارَ الطّلبَة يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ لأخذ الْعلم عَنهُ فَكثر جمعه وأحبته الْعَامَّة وعظموه
وانْتهى خَبره إِلَى أَمِير الْمُسلمين ثَانِيًا وَنقل إِلَيْهِ أَنه يطعن على الدولة فَأحْضرهُ مرّة أُخْرَى وَقَالَ لَهُ أَيهَا الرجل اتَّقِ الله فِي نَفسك ألم أَنْهَك عَن عقد الجموع والمحازب وأمرتك بِالْخرُوجِ من الْبَلَد فَقَالَ أَيهَا الْملك قد امتثلت أَمرك وَخرجت من الْمَدِينَة إِلَى الْجَبانَة واشتغلت بِمَا يعنيني فَلَا تسمع لأقوال المبطلين فتوعده أَمِير الْمُسلمين وهم بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ ثمَّ عصمه الله مِنْهُ ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا
وَلما انْفَصل الْمهْدي عَن الْمجْلس أغرى الْحَاضِرُونَ أَمِير الْمُسلمين بِهِ وشرحوا لَهُ جلية أمره وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ فاستدرك أَمِير الْمُسلمين فِيهِ رَأْيه

الصفحة 91