كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 2)

وَبعث إِلَيْهِ من يَأْتِيهِ بِرَأْسِهِ فَسمع بذلك بعض بطانته فَمر مسرعا حَتَّى إِذا قرب من الْخَيْمَة قَرَأَ قَوْله تَعَالَى {يَا مُوسَى إِن الْمَلأ يأتمرون بك ليقتلوك} فَسَمعَهَا الْمهْدي وفطن لَهَا فانسل من حِينه وَخرج حَتَّى أَتَى تينملل فَأَقَامَ بهَا وَذَلِكَ فِي شَوَّال سنة أَربع عشرَة وَخَمْسمِائة ثمَّ لحق بِهِ أَصْحَابه الْعشْرَة السَّابِقُونَ إِلَى دَعوته والمصدقون بإمامته وهم عبد الْمُؤمن بن عَليّ الكومي وَأَبُو مُحَمَّد البشير الوانشريسي وَأَبُو حَفْص عمر بن يحيى الهنتاتي وَأَبُو يحيى بن يكيت الهنتاتي وَأَبُو حَفْص عمر بن عَليّ آصناك وَإِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل الخزرجي وَأَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاحِد الْحَضْرَمِيّ وَأَبُو عمرَان مُوسَى بن تمار وَسليمَان بن خلوف وعاشر فأقاموا بتينملل إِلَى رَمَضَان من سنة خمس عشرَة وَخَمْسمِائة فَعظم صيته بجبل درن وَكَثُرت أَتْبَاعه فَلَمَّا رأى ذَلِك أظهر دَعوته ودعا النَّاس إِلَى بيعَته فَبَايعهُ الْعشْرَة الْبيعَة الْخَاصَّة عقب صَلَاة الْجُمُعَة خَامِس عشر رَمَضَان من السّنة
وَلما كَانَ الْغَد وَهُوَ يَوْم السبت خرج الْمهْدي فِي أَصْحَابه الْعشْرَة متقلدين السيوف وَتقدم إِلَى الْجَامِع فَصَعدَ الْمِنْبَر وخطب النَّاس وأعلمهم أَنه الْمهْدي المنتظر ودعاهم إِلَى بيعَته فَبَايعُوهُ الْبيعَة الْعَامَّة ثمَّ بَث دعاته فِي بِلَاد المصامدة يدعونَ النَّاس إِلَى بيعَته ويزرعون محبته فِي قُلُوبهم بالثناء عَلَيْهِ وَوَصفه بالزهد وتحري الْحق وَإِظْهَار الكرامات فانثال النَّاس عَلَيْهِ من كل جِهَة وسمى أَتْبَاعه الْمُوَحِّدين ولقنهم عقائد التَّوْحِيد بِاللِّسَانِ الْبَرْبَرِي وَجعل لَهُم فِيهِ الأعشار والأحزاب والسور وَقَالَ من لم يحفظ هَذَا التَّوْحِيد فَلَيْسَ بموحد لَا تجوز إِمَامَته وَلَا تُؤْكَل ذَبِيحَته فاستولت محبته على قُلُوبهم وعظموه ظَاهرا وَبَاطنا حَتَّى كَانُوا يستغيثون بِهِ فِي شدائدهم وينوهون باسمه على منابرهم وَلم تزل الْوُفُود تترادف عَلَيْهِ حَتَّى اجْتمع عَلَيْهِ جم غفير فَلَمَّا علم أَن ناموسه قد رسخ وسلطانه قد تمكن قَامَ فيهم خَطِيبًا وندبهم إِلَى جِهَاد المرابطين وأباح لَهُم دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ فَانْتدبَ النَّاس

الصفحة 92