كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 2)

مراكش وَجِهَاد المرابطين وَقدم عَلَيْهِم عبد الْمُؤمن بن عَليّ وَأَبا مُحَمَّد البشير وَخص عبد الْمُؤمن بإمامة الصَّلَاة فَسَارُوا حَتَّى انْتَهوا إِلَى أغمات فَلَقِيَهُمْ بهَا أَبُو بكر بن عَليّ بن يُوسُف فِي جَيش كثيف من لمتونة وقبائل صنهاجة فَاقْتَتلُوا ودامت الْحَرْب بَينهم ثَمَانِيَة أَيَّام ثمَّ انتصر عَلَيْهِم الموحدون فهزموا أَبَا بكر وجيشه إِلَى مراكش وقتلوهم فِي كل طَرِيق وحصروا مراكش أَيَّامًا ثمَّ رجعُوا إِلَى تينملل فَخرج الْمهْدي للقائهم فَرَحَّبَ بهم وعرفهم بِمَا يكون لَهُم من النَّصْر وَالْفَتْح وَمَا يملكونه من الْبِلَاد ثمَّ كَانَت وَفَاته عقب ذَلِك على مَا نذكرهُ إِن شَاءَ الله فَهَذَا سِيَاق ابْن أبي زرع لهَذِهِ الْأَخْبَار وَالله أعلم بِالصَّوَابِ
بَقِيَّة أَخْبَار الْمهْدي وَبَعض سيرته إِلَى وَفَاته

كَانَ الْمهْدي رجلا ربعَة أسمر عَظِيم الهمة غائر الْعَينَيْنِ حَدِيد النّظر خَفِيف العارضين لَهُ شامة سَوْدَاء على كتفه الْأَيْمن ذَا سياسة ودهاء وناموس عَظِيم وَكَانَ مَعَ ذَلِك عَالما فَقِيها رَاوِيا للْحَدِيث عَارِفًا بالأصول والجدل فصيح اللِّسَان مقداما على الْأُمُور الْعِظَام غير مُتَوَقف فِي سفك الدِّمَاء يهون عَلَيْهِ إِتْلَاف عَالم فِي بُلُوغ غَرَضه وَكَانَ حصورا لَا يَأْتِي النِّسَاء وَكَانَ متيقظا فِي أَحْوَاله ضابطا لما ولي من سُلْطَانه أنْشد صَاحب كتاب الْمغرب ف حَقه
(آثاره تنبيك عَن أخباره ... حَتَّى كَأَنَّك بالعيان ترَاهُ)
ثمَّ قَالَ
لَهُ قدم فِي الثرى وهمة فِي الثريا وَنَفس ترى إِرَاقَة مَاء الْحَيَاة دون إِرَاقَة مَاء الْمحيا أغفل المرابطون عقله وربطه حَتَّى دب إِلَيْهِم دَبِيب القلق فِي الغسق وَترك فِي الدُّنْيَا دويا أنشأ دولة لَو شَاهدهَا أَبُو مُسلم لَكَانَ لعزمه فِيهَا غير مُسلم وَكَانَ قوته من غزل أُخْت لَهُ فِي كل يَوْم رغيفا بِقَلِيل سمن أَو

الصفحة 94