كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 2)

وَأهل الْقَبَائِل فَأهل الدَّار للامتهان والخدمة وَأهل الْجَمَاعَة للتفاوض والمشورة وَأهل السَّاقَة للمباهاة وَأهل سبعين وَخمسين والحفاظ والطلبة لحمل الْعلم والتلقي وَسَائِر الْقَبَائِل لمدافعة الْعَدو وَكَانَ يعلمهُمْ أوجه الْعِبَادَات فِي الْعَادَات
قلت من ذَلِك أَن طَائِفَة من المصامدة عسر عَلَيْهِم حفظ الْفَاتِحَة لشدَّة عجمتهم فعدد كَلِمَات أم الْقُرْآن ولقب بِكُل كلمة مِنْهَا رجلا فصفهم صفا وَقَالَ لأولهم اسْمك الْحَمد لله وَللثَّانِي رب الْعَالمين وَهَكَذَا حَتَّى تمت كَلِمَات الْفَاتِحَة ثمَّ قَالَ لَهُم لَا يقبل الله مِنْكُم صَلَاة حَتَّى تجمعُوا هَذِه الْأَسْمَاء على نسقها فِي كل رَكْعَة فسهل عَلَيْهِم الْأَمر وحفظوا أم الْقُرْآن ذكره صَاحب المعرب
قَالُوا وَهُوَ أول من أحدث أصبح وَللَّه الْحَمد فِي أَذَان الصُّبْح
وَمن جراءته وإقدامه وتهالكه على تَحْصِيل مرامه مَا حَكَاهُ صَاحب القرطاس قَالَ كَانَت بَين الْمُوَحِّدين والمرابطين حَرْب فَقتل من الْمُوَحِّدين خلق كثير فَعظم ذَلِك على عَشَائِرهمْ فاحتال الْمهْدي بِأَن انتخب قوما من أَتْبَاعه ودفنهم أَحيَاء بِموضع المعركة وَجعل لكل وَاحِد مِنْهُم متنفسا فِي قَبره وَقَالَ لَهُم إِذا سئلتم عَن حالكم فَقولُوا قد وجدنَا مَا وعدنا رَبنَا حَقًا وَأَن مَا دَعَا إِلَيْهِ الإِمَام الْمهْدي هُوَ الْحق فجدوا فِي جِهَاد عَدوكُمْ وَقَالَ لَهُم إِذا فَعلْتُمْ ذَلِك أخرجتكم وَكَانَت لكم عِنْدِي الْمنزلَة الْعَالِيَة وَقصد بذلك أَن يثبتهم على التَّمَسُّك بدعوته ويهون عَلَيْهِم مَا لاقوا من الْقَتْل والجراحات بِسَبَبِهِ ثمَّ جمع أَصْحَابه عِنْد السحر وَقَالَ لَهُم أَنْتُم يَا معشر الْمُوَحِّدين حزب الله وأنصار دينه وَأَعْوَان الْحق فجدوا فِي قتال عَدوكُمْ فَإِنَّكُم على بَصِيرَة من أَمركُم وَإِن كُنْتُم ترتابون فِيمَا أقوله لكم فَأتوا مَوضِع المعركة وسلوا من اسْتشْهد الْيَوْم من إخْوَانكُمْ يُخْبِرُوكُمْ بِمَا لقوا من الثَّوَاب عِنْد الله ثمَّ أَتَى بهم إِلَى مَوضِع المعركة ونادى يَا معشر الشُّهَدَاء مَاذَا لَقِيتُم

الصفحة 96